الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }

اختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الآية فقال اكثر المفسرين ان قوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً } نزلت في مسيلمة الكذاب حيث ادعى النبوة. وقال انه يوحى اليه، وان قوله { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } نزلت في عبد الله بن سعد ابن ابي سرح، فانه كان يكتب الوحي للنبي (صلى الله عليه وسلم) وكان إِذا قال له: اكتب عليما حكيما، كتب غفورا رحيما. وإِذا قال: اكتب غفورا رحيما، كتب حكيما، وارتد ولحق بمكة. وقال إِني انزل مثل ما أنزل الله، ذهب اليه عكرمة وابن عباس ومجاهد والسدي والجبائي والفراء والزجاج وغيرهم.

وقال قوم: نزلت في مسيلمة خاصة.

وقال آخرون: نزلت في ابن ابي سرح خاصة والاول هو المروى عن أبي جعفر (ع).

وقال البلخي: قوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً وقال أوحي إليَّ } هم الذين ادعوا النبوة بغير برهان وكذبوا على الله { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } هم الذين قالوا { لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين } فادعوا بما لم يفعلوا واعرضوا وبذلوا الانفس والاموال واستعملوا في اطفاء نور من جاء بالكتاب سائر الحيل. ثم اخبر تعالى عن حال من فعل ذلك، فقال: { ولو ترى إِذ الظالمون في غمرات الموت } وحذف جواب { لو } وتقديره: ولو ترى إِذ الظالمون في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما وكل من كان في شيء كثير يقال له: غمر فلاناً ذلك. ويقال قد غمر فلانا الدين معناه كثر، فصار فيما يعلم بمنزلة ما يبصر قد غمر وغطى من كثرته وقوله { والملائكة باسطوا أيديهم } معناه باسطوا ايديهم بالعذاب وقيل بقبض ارواح الكفار.

وقوله: { أخرجوا أنفسكم اليوم } يحتمل امرين:

احدهما - ان يكون تقديره يقولون: اخرجوا انفسكم، كما تقول للذي تعذبه لازهقن نفسك ولاخرجن نفسك، فهم يقولون لهم اخرجوا انفسكم على معنى الوعيد والتهديد، كما يدفع الرجل في ظهر صاحبه ويكرهه على المضي بأن يجره او بغير ذلك، وهو في ذلك يقول امض الآن لترى ما يحل بك.

والغمرات جمع غمرة، وغمرة كل شيء كثرته ومعظمه، وأصله الشيء الذي يغمر الاشياء فيغطيها. وقال ابن عباس غمرات الموت سكراته، وبسط الملائكة ايديها فهو مدها، وقال ابن عباس ايضا: البسط الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم وملك الموت يتوفاهم، وقال الضحاك: بسطها ايديها بالعذاب.

والثاني - ان يكون معناه خلصوا انفسكم اي لستم تقدرون على الخلاص { اليوم تجزون عذاب الهون } اي العذاب الذي يقع به الهوان الشديد، والهون - بفتح الهاء وسكون الواو - من الرفق والدعة، كقوله { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } وقال الشاعر:
هوناً كما لا يرد الدهر ما فاتا   لا تهلكن أسفا في أثر من ماتا
وقد روي فتح الهاء في معنى الهوان، قال عامر بن جوين:
يهين النفوس وهون النفو   س عند الكريهة اغلى لها
والمعروف ضم الهاء اذا كان بمعنى الهوان. قال ذو الاصبع العدواني:
اذهب اليك فما امي براعية    ترعى المخاض ولا اغضي على الهون
يعني على الهوان، وعن ابي جعفر (ع) عذاب الهون يعني العطش.

وقوله: { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } في موضع جرّ كأنه قال: ومن اظلم مِمن قال ذلك.