الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

قرأ حمزة والكسائي وخلف { اليسع } بتشديد اللام، وفتحها وسكون الياء ها هنا، وفي (ص). الباقون بسكون اللام وفتح الياء. قال الزجاج التشديد والتخفيف لغتان. وقال ابو علي الالف واللام ليستا للتعريف بل هما زائدتان وكان الكسائي يستصوب القراءة بلامين ويخطىء من قرأ بغيرهما كأن الاسم عنده { ليسع } ثم يدخل الالف واللام. قال ولو كانت (يسع) لم يجز أن يدخل الالف واللام، كما لا يدخل في (يزيد) و { يحيى }. قال الاصمعي فقلت له، فـ (اليرصع) من الحجارة و (اليعمل) من الابل و (اليحمد) حي من اليمن، فكأنما ألقمته حجرا، وبعدها فانا قد سمعناهم يسمعون بـ (يسع) ولم نرهم يسمعون بـ (ليسع). وقال الفراء: القراءة بالتشديد اشبه بالاسماء العجمية التخفيف. قال لانهم لا يكادون يدخلون الالف واللام في ما لا يجرّ مثل (يزيد، ويعمر) الا في الشعر أنشدني بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركاً   شديدا بأعباء الخلافة كاهله
قال وانما أدخلوا الالف واللام في يزيد لدخولهما في الوليد، فاذا فعلوا ذلك فقد أمسَّوا الحرف مدحا.

قوله { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } الهاء في (له) كناية عن ابراهيم (ع) { كلا هدينا } نصب كلا بـ (هدينا) و { نوحا هدينا من قبل } معناه هديناه قبل ابراهيم. وقوله { ومن ذريته داود وسليمان } تقديره وهدينا داود وسليمان نسقا على نوح. ويحتمل أن يكون قوله { ومن ذريته } الهاء راجعة الى نوح لان الانبياء المذكورين كلهم من ذريته. قال الزجاج ويجوز أن يكون من ذريته ابراهيم لان ذكرهما جميعا قد جرى، وأسماء الانبياء التي جاءت بعد قوله { ونوحا هدينا من قبل } نسق على (نوح) نصب كلها، ولو رفعت على الابتداء كان صوابا. قال أبو علي الجبائي: الهاء لا يجوز أن تكون كناية عن ابراهيم، لان فيمن عدد من الانبياء لوطا وهو كان ابن اخته، وقيل ابن اخيه، ولم يكن من ذريته.

وهذا الذي قاله ليس بشىء، لانه لا يمنع أن يكون غلب الاكثر. وجميع من ذكر من نسل ابراهيم، على أنه قال فيما روى عنه ابن مسعود أن الياس: إِدريس، وهو جدُّ نوح، ولم يكن من ذريته، ومع هذا لم يطعن على قول من قال: إِنها كناية عن نوح. وقال ابن اسحاق: الياس هو ابن اخي موسى ويجوز أن تكون الهاء كناية عن ابراهيم ويكون مَنْ سَّماهم الى قوله { وكل من الصالحين } من ذريته، ثم قال { وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً } فعطفهم على قوله { ونوحا هدينا }.

وفي الآية دلالة على أن الحسن والحسين من ولد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لأن عيسى جعله الله من ذرية ابراهيم أو نوح، وإنما كانت أمه من ذريتهما، والوجه في الآيات أن الله تعالى أخبر أنه رفع درجة ابراهيم بما جعل في ذريته من الانبياء وجزاه بما وصل اليه من السرور والابتهاج عندما أعلمه عن ذلك وبما أبقى له من الذكر الرفيع في الاعقاب، والجزاء على الاحسان لذة وسرور من أعظم السرور واكثر اللذات إِذا علم الانسان بأنه يكون من عقبة وولده المنسوبين اليه أنبياء يدعون الى الله ويجاهدون في سبيله ويكونون ملوكا وخلفاء يطيعون الله ويحكمون بالحق في عباد الله.

السابقالتالي
2 3