الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }

تحتمل هذه الآية ان تكون اخبارا عن الله تعالى دون الحكاية عن ابراهيم بأنه قال تعالى: ان من عرف الله تعالى وصدق به وبما أوجب عليه ولم يخلط ذلك بظلم، فان له الامن من الله بحصول الثواب والامان من العقاب وهو المحكوم له بالاهتداء - وهو قول ابن اسحاق وابن زيد والطبري والجبائي وابن جريج - وقال البلخي: ان ذلك من قول ابراهيم، لانه لما قطع خصمه والزمه الحجة أخبر ان الذين آمنوا ولم يلبسوا إِيمانهم بظلم فانهم الآمنون المهتدون. قال: وكذلك يفعل من وضحت حجته وانقطع بعد البيان خصمه.

والظلم المذكور في الآية هو الشرك عند أكثر المفسرين: ابن عباس وسعيد ابن المسيب وقتادة ومجاهد وحماد بن زيد وأبيُّ بن كعب وسلمان (رحمة الله عليه) قال أبيُّ ألم تسمع قولهإن الشرك لظلم عظيم } وهو قول حذيفة.

وروي عن عبد الله بن مسعود انه قال لما نزلت هذه الآية شق على الناس، وقالوا يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه، فقال: انه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا الى ما قال العبد الصالحيا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } وقال الجبائي والبلخي واكثر المعتزلة: انه يدخل فيه كل كبيرة تحبط ثواب الطاعة، قال فان من هذه صورته لا يكون آمنا ولا مهتديا. قال البلخي: ولو كان الامر على ما قالوه انه يختص بالشرك لوجب ان يكون مرتكب الكبيرة اذا كان مؤمنا يكون آمنا وذلك خلاف القول بالارجاء.

وهذا الذي ذكروه خلاف أقاويل المفسرين من الصحابة والتابعين. وما قاله البلخي لا يلزم لانه قول بدليل الخطاب لان المشرك غير آمن بل هو مقطوع على عقابه بظاهر الآية، ومرتكب الكبيرة غير آمن لانه يجوز العفو، ويجوز المؤاخذة وان كان ذلك معلوما بدليل، وظاهر قوله { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } وان كان عاما في كل ظلم، فلنا ان نخصه بدليل أقوال المفسرين وغير ذلك من الادلة الدالة على أنه يجوز العفو من غير توبة. وروي عن علي (ع): أن الآية مخصوصة بابراهيم. وقال عكرمة مختصة بالمهاجرين. واما الظلم في أصل اللغة فقد قال الاصمعي هو وضع الشيء في غير موضعه، قال الشاعر يمدح قوما:
هرت الشقاشق ظلامون للجزر   
فوصفهم انهم ظلامون للجزر، لانهم عرقبوها فوضعوا النحر في غير موضعه، وكذلك الارض المظلومة سميت بذلك لانه صرف عنها المطر، ومنه قول الشاعر:
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد   
سماها مظلومة لانهم كانوا في سفر فتحوضوا حوضا لم يحكموا صنعته ولم يضعوه في موضعه.