الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

آيتان في البصري والمدنيين وآية في الكوفي.

أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يقول لهؤلاء الكفار الذين يعبدون الاصنام، ويدعون المؤمنين الى عبادتها { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } الذي خلق السماوات والارض بالحق، وفي معنى بالحق قولان:

احدهما - قال الحسن والبلخي والجبائي والزجاج والطبري: ان معناه خلقهما للحق لا للباطل. ومعناه خلقهما حقا وصوابا لا باطلا وخطأ، كما قال تعالى:وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } وادخلت الباء والالف واللام كما أدخلت في نظائرها يقولون: فلان يقول بالحق، بمعنى أنه يقول الحق، لا أن الحق معنى غير القول بل التقدير ان خلق الله السماوات والارض حكمة وصواب من حكم الله، وهو موصوف بالحكمة في خلقهما وخلق ما سواهما من جميع خلقه لا أن هناك حقا سوى خلقهما خلقهما به، وذلك يدل على بطلان ما يقوله المجبرة: ان هذا كله باطل وسفه، وما يخالف الحكمة هو من فعل الله، تعالى الله عن ذلك.

والثاني - قال قوم: معنى ذلك أنه خلق السماوات والارض بكلامه، وهو قولهائتيا طوعاً أو كرهاً } قالوا: فالحق هو كلامه واستشهدوا على ذلك بقولهويوم يقول كن فيكون قوله الحق } أن الحق هو قوله وكلامه. قالوا والله خالق الاشياء بكلامه، وذلك يوجب أن يكون كلامه قديما غير مخلوق، وقد بينا فساد هذا الوجه فيما تقدم، والمعتمد الاول.

وقوله { ويوم يقول كن فيكون } نصب (يوم) على وجوه:

احدها - على معنى واتقوا { يوم يقول كن فيكون } نسقا على الهاء كما قال:واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا } والثاني - أن يكون على معنى واذكر يوم يقول كن فيكون لان بعده { وإذ قال إبراهيم } والمعنى واذكر { يوم يقول كن فيكون } واذكر { إذ قال إبراهيم } وهو الذي أختاره الزجاج.

والثالث - أن يكون معطوفا على { السماوات والأرض بالحق } وخلق { يوم يقول كن فيكون }. فان قيل: ان يوم القيامة لم يخلق بعد؟ قيل: ما أخبر الله بكونه فحقيقة واقع لا محالة وقال قول: التمام عند قوله { كن } وقوله { فيكون قوله الحق } ابتداء أي ما وعدوا به من الثواب وحذروا به من العقاب كائن حق قوله بذلك.

وقوله { كن فيكون } قال قوم هو خطاب للصور. والمعنى ويوم يقول للصور كن فيكون. وقد بينا فيما مضى أن ذلك عبارة عن سرعة الفعل وتيسيره وانه لا يتعذر عليه شىء بمنزلة أن يقول كن فيكون، لا أن هناك أمر على الحقيقة وكيف يكون هناك أمر والامر لا يتوجه الا الى الحي القادر؟! والمعدومات والجمادات لا يحسن أمرها ولا خطابها. والغرض بالآية الدلالة على سرعة أمر البعث والساعة، كأنه قال ويوم يقول للخلق: موتوا فيموتون وانتشروا فينتشرون اي لا يتعذور عليه ولا يتأخر عن وقت ارادته.

السابقالتالي
2