الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }

قرأ يعقوب { قل من ينجيكم } مخففا. الباقون بالتشديد. وقرأ أبو بكر { وخفية } بكسر الخاء - ها هنا -، وفي الاعراف. وقرأ اهل الكوفة الا ابن شاهي " أنجانا " على لفظ الاخبار عن الواحد الغائب، وأماله حمزة والكسائي وخلف. الباقون " أنجيتنا " على وجه الخطاب.

وقرأ اهل الكوفة الا العبسى وهشام وأبو جعفر { قل الله ينجيكم } بالتشديد. الباقون بالتخفيف. يقال: نجا زيد ينجو، قال الشاعر:
نجا سالم والنفس منه لشدقه   
فاذا نقلت الفعل حسن أن تنقله بالهمزة فتقول انجيته، ويجوز أن ننقله بتضعيف العين، فتقول نجيته، ومثله فرحته وأفرحته وعرضَّته وأعرضته، قال الله تعالىفأنجاه الله من النار } فأنجيناه والذين معه } وقالونجينا الذين } فلما أستوت اللغتان وجاء التنزيل بهما تساوت القراءتان.

ووجه قراءة من قرأ { لئن أنجانا } أنه حمله على الغيبة كقوله { تدعونه... لئن أنجانا } ، وكذلك ما بعده { قل الله ينجيكم } { قل هو القادر } فهذا كله أسماء غيبة فـ (أنجانا) أولى من (انجيتنا) لكونه على ما قبله، وما بعده من لفظ الغيبة، وموضع (يدعونه) نصب على الحال، وتقديره قل من ينجيكم داعين وقائلين { لئن أنجيتنا }. ومن قرأ من الكوفيين { لئن أنجانا } طلب المشاكلة. ومن قرأ بالتاء واجه بالخطاب ولم يراع المشاكلة. ويقوي ذلك قوله في أخرى { لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. قل الله ينجيكم } فجاء انجيتنا على الخطاب وبعده اسم غيبة.

وأما إِمالة حمزة والكسائي فحسنة، لان هذا النحو من الفعل اذا كان على أربعة أحرف أستمرت فيه الامالة، لانقلاب الالف ياء في المضارع.

ومن قرأ { خفية } بكسر الخاء، فلأن أبا عبيدة قال { خفية } تخفون في أنفسكم وخفي غيره خفية، وخفية لغتان، وحكي خفوة وخفوة بالواو، كما قالوا حل حبوته وحبيته، ولا يقرأ بذلك. فأما قوله { تضرعا وخيفة } ففعلة من الخوف. وانقلبت الواو، للكسرة. والمعنى أدعوا خائفين خافيين، قال الشاعر:
فلا تقعدن على زخة   وتضمر في القلب وجدا وخيفا
يريد جمع خيفة.

أمر الله تعالى نبيه ان يخاطب الخلق ويقول لهم على وجه التقريع لمن يعبد الاصنام منهم - { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } ومعناه شدائد البر والبحر، تقول العرب لليوم الذي يلقى فيه الشدة: يوم مظلم حتى أنهم يقولون: يوم ذو كواكب أي قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل، قال الشاعر:
ابني أسد هل تعلمون بلاءنا   اذا كان يوم ذو كواكب أشهب
وقال آخر:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي   اذا كان يوم ذو كواكب أشهب
فمعنا ظلمات البر والبحر شدائدهما. وقوله: { تدعونه.. وخفية } أي مظهرين الضراعة، وهي شدة الفقر الى الشىء والحاجة و { تدعونه.. خفيه } أي تدعونه في أنفسكم بما تضمرون من حاجاتكم اليه كما تظهرون.

وقوله { لئن أنجيتنا من هذه } أي في شدة وقعوا فيها، يقولون { لئن أنجيتنا من هذه } لنشكرنك، فأمر الله ان يسألهم على وجه التوبيخ لهم والتقرير بأنه ينجيهم وأنه القادر على نفعهم وضرهم. ثم أعلمهم ان الله الذي أقروا بأنه ينجيهم هو ينجيهم ثم هم يشركون معه الاصنام التي قد علموا أنها من صنعهم وأنها لا تضر ولا تنفع وأنه تعالى على تعذيبهم قادر.