الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }

قوله { ألم يروا } خطاب للغائب وتقديره ألم ير هؤلاء الكفار: ألم يعلموا { كم أهلكنا من قبلهم من قرن }. ثم قال { مكَّنَّاهم في الأرض ما لم نمكن لكم } فخاطب خطاب المواجه، فكأنه اخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم خاطبه معهم، كما قال:حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بربح طيبة } فذكر لفظ الغائب بعد خطاب المواجه. ومعنى { من قرن } من أمة. قال الحسن: القرن عشرون سنة. وقال ابراهيم: اربعون سنة. وقال ابو ميسرة: هو عشر سنين. وحكى الزجاج والفراء: أنه ثمانون سنة وقال قوم: هو سبعون سنة. وقال الزجاج: عندي القرن هو أهل كل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم، قلت السنون او كثرت، فيسمى ذلك قرنا، بدلالة قوله (ع): { خيركم قرني } يعني أصحابي { ثم الذين يلونهم } يعني التابعين { ثم الذين يلونهم } يعني تابعي التابعين. قال: وجائز أن يكون القرن جملة الامة، وهؤلاء قرن فيها.

واشتقاق القرن من الاقتران. وكل طبقة مقترنين في وقت قرن، والذين يأتوا بعدهم ذووا اقتران: قرن آخر.

وقوله { مكنَّاهم في الأرض } معناه جعلناهم ملوكا وأغنياء تقول مكنتك، ومكنت لك واحد.

وقوله { وأرسلنا عليهم السماء مدرارا } معناه أرسلنا عليهم مطرا كثيرا من السماء يقول القائل أصابتنا هذه السماء، وما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، يعنون المطر. وقوله { مدراراً } يعني غزيرا دائماً كثيرا. وهو قول ابن عباس وأبي روق. و (مفعال) من ألفاظ المبالغة، يقال ديمة مدراراً اذا كان مطرها غزيراً حادا، كقولهم امرأة مذكار: اذا كانت كثيرة الولادة للذكور، ومئناث في الاناث. ومفعال لا يؤنث، يقال: امرأة معطار ومئناث ومذكار، بغير هاء.

بين الله تعالى أن هؤلاء الذين آتاهم الله هذه المنافع وأجرى من تحتهم الانهار، ووسع عليهم، ومكنهم في الارض، لما كفروا بنعم الله وارتكبوا معاصيه أهلكهم الله بذنوبهم، وانه انشأ قوما آخرين بعدهم. يقال: انشأ فلان يفعل كذا أي ابتدأ فيه. وموضع (كم) نصب بـ (أهلكنا)، لان لفظ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، فلذلك لا يجوز أن يكون منصوبا بـ (يروا).

فان قيل: كيف قال: { أو لم يروا } والقوم كانوا غير مقرين بما أخبروا به من شأن الامم قبلهم؟ قيل: كان الكثير منهم مقرا بذلك فأنه دعي بهذه الآية الى النظر والتدبر ليعرف بذلك ما عرفه غيره.