الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

{ مفاتح الغيب } معناه الامور التي بها يستدل على الغائب فتعلم حقيقته، يقال: فتحت على الرجل، أي عرفته أولا، ويستدل به على آخر، وجملة يعرف بها التفصيل. ومنه قولهم أفتح عليَّ أي عرفني. قال الزجاج: معناه وعنده الوصلة الى علم الغيب وكل ما لا يعلم اذا استعلم.

وروي عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله: ان الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما فى الارحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت.

ومعنى الآية أن الله تعالى عالم بكل شىء من مبتدءات الامور وعواقبها فهو يعجل ما تعجيله أصلح وأصوب، ويأخر ما تأخيره أصلح واصواب، وأنه الذي يفتح باب العلم لمن يريد إِعلامه شيئا من ذلك من أنبيائه وعباده، لانه لا يعلم الغيب سواه، فلا يتهيأ لاحد ان يعِّلم العباد ذلك، ولا أن يفتح لهم باب العلم به الا الله، وبين أنه يعلم ما في البر والبحر من الحيوان والجماد. وبين أنه ما تسقط من ورقة من شجرة الا يعلمها ولا حبة في جوف الارض وفي ظلماتها الا ويعلمها ولا رطب ولا يابس جميع أصناف الاجسام، لانها أجمع لا تخلو من احدى هاتين الصفتين.

وقوله: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة كما تقول: ما يجيئك من أحد الا وأنا أعرفه، معناه الا وانا أعرف في حال مجيئه. وقوله: { ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس } خبر على تقدير (من). ويجوز الرفع فيها على معنى ولا تسقط ورقة ولا حبة. ويجوز ان يرفعه على الابتداء ويقطعه عن الاول ويكون خبره { إلا في كتاب مبين }.

وقوله: { في كتاب مبين } يحتمل أمرين:

احدهما - ان يكون معناه في علم الله مبين.

وثانيهما - ان يكون { في كتاب مبين } ان يكون الله تعالي أثبت ذلك في كتاب قبل أن يخلقه، كما قال { ما أصاب من مصيبة في الأرض، ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } ويكون الغرض بذلك اعلام الملائكة أنه علام الغيوب ليدل على أنه عالم بالاشياء قبل كونها. ويجوز ان يكون المراد بذلك أنه كتب جميع ما يكون ثم امتحن الملائكة بكتبه وتعبدهم باحصائه، كما تعبد سائر خلقه بما يشاء مما فيه صلاحهم. وقال البلخي: { في كتاب مبين } أي هو محفوظ غير منسي ولا مغفول كما يقول القائل لصاحبه: ما تصنعه عندي مسطر مكتوب. وانما يريد بذلك أنه حافظ له يريد مكافأته عليه، قال الشاعر:
ان لسلمى عندنا ديوانا   
ويجوز أن يكون المراد بذكر الورقة والحبة والرطب واليابس التوكيد في الزجر عن المعاصى والحث على البَر والتخويف لخلقه بأنه اذا كانت هذه الاشياء التي لا ثواب فيها ولا عقاب عليها محصاة عنده محفوظة مكتوبة، فأعمالكم التي فيها الثواب والعقاب أولى، وهو قول الحسن. وقال مجاهد: البر القفار والبحار كل قرية فيها ماء. وعن أبي عبد الله: الورقة السقط والحبة الولد. وظلمات الارض الارحام والرطب ما يبقى ويحيا واليابس ما تغيض.