الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب: { أنه من عمل.. فإنه غفور رحيم } بفتح الهمزة فيهما وافقهم اهل المدينة في الاولى منهما. الباقون بالكسر فيهما.

قال ابو علي الفارسى من كسر { أنه } الاولى جعلها تفسير للرحمة كما أن قوله { لهم مغفرة وأجر كريم } تفسير للوعد. واما كسر (إِن) في قوله { فإنه غفور رحيم } فلأن ما بعد الفاء حكمه الابتداء، ومن ثم حمل قولهومن عاد فينتقم الله منه } على أرادة المبتدأ بعد الفاء وحذفه.

ومن فتح (أن) في قوله { أنه } فانه جعل (ان) الاولى بدلا من الرحمة كأنه قال كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم. واما فتحها بعد الفاء فانه غفور رحيم، فعلى انه أضمر له خبرا تقديره، فله انه غفور رحيم أي فله غفرانه. أو اضمر مبتدأ تكون (أن) خبره، كأنه قال فأمره انه غفور رحيم.

واما قراءة نافع: بفتح الاولى وكسر الثانية فالقول فيهما انه أبدل من الرحمة واستأنف ما بعد الفاء. قال سيبويه: بلغنا ان الاعرج قرأ { أنه من عمل.. فإنه غفور رحيم }. ونظيره قول ابن مقبل:
واني اذا ملت ركابي مناخها   فاني على حظي من الامر جامح
يريد ان قوله: (واني اذا ملت ركابي) محمول على ما قبله كما ان قوله { أنه من عمل } محمول على ما قبله. وقوله: فاني على حظي مستأنف مثل قوله { فإنه غفور رحيم } مستأنف به منقطع عما قبله.

قال الفراء: واختاره الزجاج ويجوز ان يحمل (فانه) على التكرار، قال: لان الكتاب يحتاج الى (ان) مرة واحدة ولكن الخبر هو موضعها فلما دخلت في ابتداء الكلام أعيدت الى موضعها، كما قال:أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون } فلما كان موضع (ان) أيعدكم انكم مخرجون اذا متم دخلت في اول الكلام وآخره. ومثلهكتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله } ومثلهألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له } قال ولك ان تكسر (ان) بعد الفاء في هذه الاحرف. قال ابو علي هذا غير صحيح، لان (من) لا يخلو من ان تكون للجزاء الجازم الذي بني اللفظ عليه او تكون موصولة، ولا يجوز ان يقدر التكرير مع الموصولة فلو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر، ولا يجوز ذلك في الجزء الجازم، لان الشرط يبقى بلا جزاء على اثبات الفاء في قوله: (فأن له) ويمتنع من ان يكون بدلا لانه لا يكون بين المبدل والمبدل منه الفاء العاطفة ولا التي للجزاء، فان قيل: هي زائدة بقى الشرط بلا جزاء، فاذا بطل الامران اثبت ما قدمناه.

واما من كسرهما فعلى مذهب الحكاية كأنه لما قال { كتب ربكم على نفسه الرحمة } قال: { أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه عفور رحيم } بالكسر، ودخلت الفاء جوابا للجزاء.

السابقالتالي
2