الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

الوقف عند قوله { أمم أمثالكم } وقف تام.

ابتدأ الله تعالى بهذه الآية فأخبر بشأن سائر الخلق. وبازاحة علة عباده المكلفين في البيان ليعجب عباده في الآية التي بينها من الكفار وذهابهم عن الله تعالى فقال: { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } فجمع جميع الخلق بهذين اللفظين، لان جميع الحيوان لا يخلو من أن يكون مما يطير بجناحيه أو يدب { إلا أمم أمثالكم } أي هم اجناس واصناف كل صنف يشتمل على العدد الكثير والانواع المختلفة وان الله خالقها ورازقها، وانه يعدل عليها فيما يفعله، كما خلقكم ورزقكم وعدل عليكم، وان جميعها دالة وشاهدة على مدبرها وخالقها وانتم بعد ذلك تموتون والى ربكم تحشرون. فبين بهذه العبارة أنه لا ينبغي لهم ان يتعدوا في ظلم شىء منها، فان الله خالقها وهو الناهي عن ظلمها والمنتصف لها.

وفي قوله: { يطير بجناحيه } أقوال: احدها - ان قوله بجناحيه تأكيد كما يقولون: رأيت بعيني، وسمعت باذني، وربما قالوا: رأت عيني وسمعت اذني، كل ذلك تأكيد. وقال الفراء: معنى ذلك انه اراد ما يطير بجناحيه دون ما يطير بغير جناحين، لانهم يقولون قد مر الفرس يطير طيرا وسارت السفينة تطير تطيرا، فلو لم يقل { بجناحيه } لم يعلم انه قصد الى جنس ما يطير بجناحيه دون سائر ما يطير بغير جناحين. وقال قوم: انما قال { بجناحيه } لان السمك عند اهل الطبع طائر في الماء، ولا أجنحة لها، وانما خرج السمك عن الطائر، لانه من دواب البحر، وانما أراد ما فى الألارض وما في الجو، ولا حيوان موجود غيرهما. وقال قوم: انما قال ذلك ليدل على الفرق بين طيران الطيور بأجنحتها وبين الطيران بالاسراع تقول: طرت في جناحين، اذا أسرعت، قال الشاعر:
فلو أنها تجري على الارض أدركت   ولكنها تهفوا بتمثال طائر
وانشد سيبويه:
فطرت بمنصلي في يعملات   دوام الايد يحبطن السريحا
وقال المغربي: أراد ان يفرق بين الطائر الذي هو الفائز الفالج في القسم، وقال مزاحم العقيلي:
وطير بمخراق أشم كأنه   سليل جيادلم تنله الزعانف
أي فوزي واغنمي. وقوله: { ما فرطنا في الكتاب من شيء } قيل { ما فرطنا } معناه ما تركنا. وقيل: ما قصرنا. وفي الكتاب قولان:

احدهما - انه أراد الكتاب المحفوظ عنده من أجال الحيوان وأرزاقه وآثاره ليعلم ابن آدم ان عمله اولى بالاحصاء والاستقصاء، ذكره الحسن.

الثاني - ما فرطنا في القرآن من شىء يحتاج اليه في أمور الدين والدنيا الا وقد بيناه اما مجملا أو مفصلا، فما هو صريح يفيد لفظا، وما هو مجمل بيَّنه على لسان نبيه وأمر باتباعه في قولهوما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }

السابقالتالي
2