الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

قرأ ابن عامر { ولدار الآخرة } بلام واحدة مع تخفيف الدال. وخفض { الآخرة } على الاضافة. الباقون بلامين وتشديد الدال وضم الآخرة. وقرأ اهل المدينة وابن عامر وحفص ويعقوب { تعقلون } بالتاء ها هنا وفي (الاعراف ويوسف) وافقهم يحيى والعليمي في (يوسف). ومن قرأ بلامين وشدد الدال جعل { الآخرة } صفة لـ { وللدار } ، وأجراها في الاعراب مجراها. واستدل على كونها صفة { للدار } بقوله:وللآخرة خير لك من الأولى } فاقامتها مقامها يدل على أنها هي وليس غيرها. فيجوز أن يضيف اليها، وقَّووا ذلك بقولهوإِن الدار الآخرة لهي الحيوان } وقولهتلك الدار الآخرة } ومن قرأ بلام واحدة وخفف الدال فانه لم يجعل { الآخرة } صفة (للدار) لان الشىء لا يضاف الى نفسه لكنه جعلها صفة للساعة، وكأنه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بـ { الآخرة } كما وصف اليوم بالآخر في قوله:وارجوا اليوم الآخر } وحسن اضافة (الدار) الى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبح اقامة الصفة مقام الموصوف، لان الآخرة صارت كالابطح والابرق، ألا ترى أنه قد جاءوللآخرة خير لك من الأولى } واستعملت استعمال الاسماء ولم تكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الآخرة. ومثل { الآخرة } في انها استعملت استعمال الاسماء قولهم: الدنيا، لما استعملت استعمال الاسماء حسن أن لا تلحق لام التعريف في نحو قول الشاعر:
في سعي دنيا طال ما قد مدَّت   
وقال الفراء: جعلت (الدار) ها هنا اسما و (الآخرة) صفتها، وأضيفت في غير هذا الموضع. ومثله مما يضاف الى مثله قوله:حق اليقين } والحق هو اليقين، ومثله قولهم بارحة الاولى، ويوم الخميس، فيضاف الشىء الى نفسه اذا اختلف اللفظ، واذا اتفق لم يجز ذلك، لا يقولون حق الحق ولا يقين اليقين، لانهم يتوهمون اذا اختلفا في اللفظ أنهما مختلفان في المعنى.

بين الله تعالى في هذه الآية أن ما يتمتع به في الدنيا بمنزلة اللعب واللهو، اللذين لا عاقبة لهما في المنفعة ويقتضي زوالهما عن أهلها في أدنى مدة وأسرع زمان، لانه لا ثبات لهما ولا بقاء، فأما الاعمال الصالحات، فهي من أعمال الآخرة وليست بلهو ولا لعب. وبين ان الدار الآخرة وما فيها من أنواع النعيم والجنان خير للذين يتقون معاصى الله، لانها باقية دائمة لا يزول عنهم نعيمها ولا يذهب عنهم سرورها.

وقوله { أفلا تعقلون } أن ذلك كما وصفت لهم فيزهدوا في شهوات الدنيا ويرغبوا في نعيم الآخرة بفعل ما يؤديهم اليه من الاعمال الصالحة.

ومن قرأ { يعقلون } بالياء، فلأنه قد تقدم ذكر الغيبة في قوله { للذين يتقون } والتقدير أفلا يعقل الذين يتقون ان الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار فيعملوا بما ينالون به من النعيم الدائم.

السابقالتالي
2