الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قرأ حمزة ويعقوب وحفص { ولا نكذب.. ونكون } بالنصب فيهما، وافقهم ابن عامر في { ونكون } الباقون بالرفع فيهما، فمن قرأ بالرفع أحتملت قراءته أمرين:

أحدهما - ان يكون معطوفا على نرد، فيكون قوله: { نرد ولا نكذب.. ونكون } داخلا في التمني ويكون قد تمني الرد وألا يكذب وأن يكون من المؤمنين، وهو اختيار البلخي والجبائي والزجاج.

والثاني - أن يكون مقطوعا عن الاول، ويكون تقديره يا ليتنا نرد ولا نكذب كما يقول القائل: دعني ولا أعود، أي فأني ممن لا يعود، فانما يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه ألا يعود ترك أو لم يترك. ولم يقصد أن يسأل أن يجمع له الترك وأن لا يعود. وهذا الوجه الذي اختاره أبو عمرو في قراءة جميع ذلك بالرفع، فالاول الذي هو الرد داخل في التمني وما بعده على نحو دعني، ولا أعود، فيكونون قد أخبروا على النَّيات أن لا يكذبوا ويكونوا من المؤمنين.

واستدل أبو عمرو على خروجه من المتمني بقوله { وإِنهم لكاذبون } فقال ذلك يدل على أنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولم يتمنوا، لان التمنى لا يقع فيه الكذب وانما يقع في الخبر دون التمني.

ومن نصب { نكذب.. ونكون } أدخلهما في التمني، لان التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والامر والنهي والعرض، في إِنتصاب ما بعد ذلك كله من الافعال اذا دخلت عليها الفاء أو الواو على تقدير ذكر المصدر من الفعل الاول، كأنه قال: يا ليتنا يكون لنا رد، وانتفاء للتكذيب وكون من المؤمنين.

ومن نصب " نكون " فحسب، ورفع { نرد ولا نكذب } يحتمل أيضاً وجهين:

احدهما - أن يكون داخلا في التمني، فيكون في المعنى كالنصب.

والثاني - انه يخبر على النيات أن لا يكذب رد أو لم يرد.

ومن نصب { ولا نكذب.. ونكون } جعلهما جميعا داخلين في التمني كما أن من رفع وعطفه على التمني كان كذلك. فان قيل: كيف يجوز أن يتمنوا الرد الى الدنيا وقد علموا عند ذلك انهم لا يردون؟

قيل عن ذلك أجوبة:

احدها - قال البلخي: إِنا لا نعلم أن أهل الآخرة يعرفون جميع أحكام الآخرة، وانما نقول: انهم يعرفون الله بصفاته معرفة لا يتخالجهم فيها الشك لما يشاهدونه من الآيات والعلامات الملجئة لهم الى المعارف. وأما التوجع والتأوه التمني للخلاص والدعاء بالفرج يجوز أن يقع منهم وأن تدعوهم أنفسهم اليه. وقال أبو علي الجبائي والزجاج: يجوز أن يقع منهم التمني للرد، ولان يكونوا من المؤمنين، ولا مانع منه. وقال آخرون: التمني قد يجوز لما يعلم انه لا يكون ألا ترى أن المتمني يتمنى أن لا يكون فعل ما قد فعله ومضى وقته، وهذا لا حيلة فيه، فعلى هذا قوله في الآية الثانية { وإنهم لكاذبون } يكون حكاية حال منهم في دار الدنيا، كما قال:

السابقالتالي
2