الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

يجوز في قوله { فله عشر أمثالها } ثلاثة أوجه: الجر بالاضافة، وعليه جميع القراء الا يعقوب. ورفع { أمثالها } مع التنوين على الصفة، وبه قرأ الحسن ويعقوب. ونصبه على التمييز، كما تقول عندي خمسة أترابا ذكر ذلك الزجاج، والفراء.

ومعنى القراءة الاولى، فله عشر حسنات أمثالها، ويجوز في العربية فله عشر مثلها، فيكون المثل في لفظ الواحد وفى معنى الجمع، كما قالإنكم إذا مثلهم } ومن قال: أمثالها فهو كقولهلا يكونوا أمثالكم } وانما جاز في (مثل) التوحيد في معنى الجمع، لانه على قدر ما يشبه به، تقول: مررت بقوم مثلكم وبقوم أمثالكم. وقال الرماني: كلما لم يتميز بالصورة فان جمعه يدل على الاختلاف، كقولك: رمال ومياه، فأما (رجال) فلا يدل على الاختلاف، لانه يتميز بالصورة، ويجوز ان يكون (المثل) في موضع الجمع ولا يجوز مثل ذلك في (العدل) لان (المثل) لا يضاف الى الجماعة الا على معنى انه مثل لكل واحد منهم. وليس كذلك (العدل) لانه يكون لجماعتهم دون كل واحد منهم.

وقال اكثر اهل العدل ان الواحد من العشرة مستحق وتسعة تفضل. وقال بعضهم: المعنى فله من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها، وهذا لا يجوز، لانه يقبح ان يعطي غير العامل مثل ثواب العامل كما يقبح ان يعطي الاطفال مثل ثواب الانبياء ومثل اجلالهم واكرامهم وان يرفع منزلتهم عليهم.

وانما لم يتوعد على السيئة الا بمثلها، لان الزائد على ذلك ظلم. والله يتعالى عن ذلك، وزيادة الثواب على الجزاء تفضل واحسان فجاز ان يزيد عليه. قال الرماني: ولا يجوز على قياس عشرة أمثالها عشر صالحات بالاضافة لان المعنى ظاهر في ان المراد عشر حسنات امثالها، وقال غيره لان الصالحات لا تعد، لانها اسماء مشتقة. وانما تعد الاسماء. و (المثل) اسم فلذلك جاز العدد به، وقال الرماني: دخول الهاء في قوله (الحسنة) يدل على ان تلك الحسنة ما هو مباح لا يستحق عليه المدح والثواب. ولو قيل: دخول الالف واللام فيها يدل على ان الحسنة هي المأمور بها، ودخلا للعهد، والله لا يأمر بالمباح، لكان اقوى مما قاله، ويجوز أن يكون التفضل مثل الثواب في العدد والكثرة، ويتميز منه الثواب بمقارنة التعظيم والتبجيل اللذين لولاهما لما حسن التكليف. وانما قلنا: يجوز ذلك لان وجه حسن ذلك: الاحسان والتفضل، وذلك حاصل في كل قدر زائد. وفي الناس من منع من ان يساوي التفضل الثواب في باب الكثرة. والصحيح ما قلناه اولا.

فان قيل: كيف تجمعون بين قوله { فله عشر أمثالها } وبين قولهمثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة }

السابقالتالي
2