الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

قرأ حمزة والكسائي { فارقوا } بألف، وهو المروي عن علي (ع) الباقون { فرَّقوا } بلا الف مع تشديد الراء. والمعنيان متقاربان، لان القراءتين يؤلان الى شيء واحد، لان جميع ذلك مخالف لما يوجبه دينهم، فهم بتفريقه من جهة اكفار بعضهم بعضا على جهالة فيه مخالفون له، وهم بخروجهم عنه الى غيره مفارقون له مخالفون. وقيل في المعنيين بهذه الآية اربعة أقوال:

احدها - قال مجاهد: هم اليهود، لانهم كانوا يمالؤن عبدة الاوثان على المسلمين.

الثاني - قال قتادة: هم اليهود والنصارى، لان بعض النصارى يكفر بعضا وكذلك اليهود.

الثالث - قال الحسن هم جميع المشركين، لانهم جميعا بهذه الصفة.

الرابع - قال ابو جعفر (ع): هم اهل الضلالة والبدع من هذه الامة. وهو قول ابي هريرة والمروي عن عائشة.

حذرهم الله تعالى من تفرق الكلمة ودعاهم الى الاجتماع على ما تقوم عليه الحجة. والدين الذي فارقوه: قيل فيه قولان:

قال ابو علي وغيره: هو الدين الذي امر الله باتباعه وجعله دينا لهم.

الثاني - الدين الذي هم عليه، لانكار بعضهم بعضا بجهالة فيه.

ومعنى الشيع الفرق التي يمالىء بعضهم بعضا على امر واحد مع اختلافهم في غيره، وقيل اصله الظهور من قولهم: شاع الخبر يشيع اذا ظهر. وقال الزجاج: اصله الاتباع من قولك: شايعه على الامر اذا اتبعه.

وقوله { لست منهم في شْيء } خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) واعلام له انه ليس منهم في شيء، وانه على المباعدة التامة من ان يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة، وليس كذلك بعضهم مع بعض، لانهم يجتمعون في معنى من الباطل وان افترقوا في غيره، فليس منهم في شيء، لانه برىء من جميعه وقال الفراء: معناه النهي عن قتالهم، ثم نسخ بقولهفاقتلوا الشركين } وهو قول السدي.

اخبر الله تعالى ان الذين فرقوا دينهم - وخالفوه وباينوه وصاروا فرقا يمالىء بعضهم بعضاً على أمر واحد مع أختلافهم في غيره - ليس النبي (صلى الله عليه وسلم) منهم في شيء وانه مباين لهم لفساد ما هم عليه. ثم قال { إنما أمرهم إلى الله. ثم ينبئهم بما كانوا يعملون } يعني ان الله تعالى هو الذي يخبرهم بأفعالهم ويجازيهم عليها دون غيره يعني يوم القيامة.