الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قرأ اهل الكوفة الا أبا بكر { تذكرون } بتخفيف الذال حيث وقع. الباقون بالتشديد. قال سيبويه: ذكرته ذكرا مثل شربا، قال ابو علي: (ذكر) فعل يتعدى الى مفعول واحد، كقوله { فاذكروني أذكركم } فاذا ضاعفت العين تعدى الى مفعولين كقولك ذكرته اباه قال الشاعر:
يُذَكرْنِيك حنين العجول   ونوح الحمامة تدعو هديلا
فان نقله بالهمزة كان كنقله بالتشديد، وتقول: ذكرته فتذكر، لان تذكر مطاوع (فعل) كما تفاعل مطاوع فاعل، قال تعالىإذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } وقد تعدى تفعلت قال الشاعر:
تذكرت أرضا بها أهلها   أخوالها فيها وأعمامها
وأنشد ابو زيد:
تذكرت ليلى لات حين أذكارها   وقد حني الاضلال ضلا بتضلال
فقال اذكارها، كما قالوتبتل إليه تبتيلا } ونحو ذلك مما لا يحصى مما لا يجيء المصدر على (فعلة)، وجاء المصدر على (فعلى) بالف التأنيث، فقالوا ذكرى وقالوا في الجمع الذكر، فجعلوه بمنزلة (سدرة، وسدر) وقالوا: الدكر بالدال غير المعجمة حكاه سيبويه، والمشهور بالذال.

فمن قرأ بتشديد الذال اراد يتذكرون ويأخذون به، ولا يطرحونه وادغم التاء في الذال، والمعنى يتذكرون، كما قالوالنهار خلفة لمن أراد أن يذكر } أي يتفكر وقالأولا يذكر الإنسان } معناه اولا يتفكر، وقالولقد صرفناه بينهم ليذكروا } أي ليتفكروا فيه.

ومن قرأ - بتخفيف الذال - أراد لكي يذكروه ولا ينسوه فيعملوا به. والقراءتان متقاربتان غير ان هذا حذف التاء الاولى، والاولون أدغموا التاء في الذال. والمعنى فيها لعلكم تتذكرون.

هذه الآية عطف على ما حرم الله في الآية الاولى واوصى به، فنهى في هذه الآية ان تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن، والمراد بالقرب التصرف فيه، وانما خص اليتيم بذلك وان كان واجبا في كل احد، لان اليتيم لما كان لا يدفع عن نفسه ولا له والد يدفع عنه، فكان الطمع في ماله أقوى تأكد النهي في التصرف في ماله.

وقوله { إلا بالتي هي أحسن } قيل في معناه ثلاثة أقوال:

احدها - حفظه عليه الى ان يكبر فيسلم اليه.

وقيل معناه تثميره بالتجارة في قول مجاهد والضحاك والسدي.

والثالث - ما قاله ابن زيد: ان يأخذ القيم عليه بالمعروف دون الكسوة.

وقوله { حتى يبلغ أشده } اختلفوا في حد الاشد، فقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك وعامر الشعبي: هو الحلم. وقال السدي: ثلاثون سنة. وقال قوم: ثماني عشرة سنة. لانه اكثر ما يقع عندهم البلوغ واستكمال العقل.

وقال قوم قوم: انه لا حد له وانما المراد به حتى يكمل عقله ولا يكون سفيها يحجر عليه. والمعنى حتى يبلغ اشده فيسلم اليه ماله او يأذن في التصرف في ماله، وحذف لدلالة الكلام عليه. هذا أقوى الوجوه.

وواحد الاشد قيل فيه قولان:

احدهما - شد مثل اضر جمع ضر، واشد جمع شد.

السابقالتالي
2