لما حكى الله تعالى عن هؤلاء القوم انهم حرموا ما لم يحرمه الله وأحلُّوا ما حرمه، قال لنبيه { قل } لهم { تعالوا } حتى أبيِّن لكم ما حرمه الله. و { تعالوا } معناه أدنوا، وهو مشتق من العلو، وتقديره كأن الداعي في المكان العالي، وان كانا في مستوى من الارض كما يقال للانسان: ارتفع الى صدر المجلس. وقوله { أتل } مشتق مْن التلاوة مثل القراءة. والمتلو مثل المقروء، فالمتلُّوا هو المقروء الاول، والتلاوة هي الثاني منه على طريق الاعادة، وهو مثل الحكاية والمحكي. وقوله { أتل } مجزوم بأنه جواب الامر، وعلامة الجزم فيه حذف الواو، ومن شأن الجازم أن يأخذ الحركة اذا كانت على الحرف، فان لم يكن هناك حركة أخذ نفس الحرف. وقوله { ما حرم ربكم } (ما) في موضع نصب بـ (أتل) وهي بمعنى الذي، وتقديره أتل الذي حرم ربكم عليكم: ان لا تشركوا به شيئا، ويجوز ان يكون نصبا بـ (حرَّم) وتقديره أي شيء حرم ربكم، لان (أتلو) بمنزلة أقول. وقوله { أن لا تشركوا به شيئا } يحتمل موضع (ان) ثلاثة اوجه من الاعراب: احدها - الرفع على تقدير ذلك ان لا تشركوا به شيئا. والثاني - النصب على تقدير أوصى ان لا تشركوا به شيئا. وقيل فيه وجه رابع - ان يكون نصبا بـ (حرَّم) وتكون (لا) زائدة، وتقديره حرم ربكم ان تشركوا به شيئا، كما قال{ ما منعك أن لا تسجد } ونظائر ذلك قد قدمنا طرفا منها. وموضع تشركوا يحتمل امرين، احدهما - النصب بـ (ان). الثاني - الجزم بـ (لا) على النهي. وقال ابو جعفر (عليه السلام): ادنى الشرك الرياء. وقوله { وبالوالدين إحسانا } العامل فيه (أمر) أي امر بالوالدين إِحسانا، واوصى بالوالدين احسانا. ودليله من وجهين: احدهما - ان في (حرم كذا) معنى اوصى بتحريمه، وامر بتجنبه. الثاني { ذلكم وصاكم به } وقوله { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } عطف بالنهي على الخبر، لان قوله { ولا تقتلوا } نهي، وقوله اوصى ألا تشركوا به شيئا، وأوصى بالوالدين احسانا خبر، وجاز ذلك كما جاز في قوله{ قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين } وقال الشاعر:
حج وأوصى بسليمى الا عْبُدَ
ان لا قرى ولا تكلم أحدا
ولا تمش بفضاء بَعُدا
ولا يزل شرابها مبردا
والاملاق: الافلاس من المال والزاد يقال: املق إِملاقا ومنه الملق لانه اجتهاد في تقرب المفلس للطمع في العطية. وقال ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج والضحاك: الاملاق الفقر، نهاهم الله ان يقتلوا أولادهم خوفا من الفقر. وقال { نحن نرزقكم وإياهم } وقوله { ولا تقربوا الفواحش } نهي عن الفواحش وهي القبائح. وقيل: الفاحش العظيم القبح، والقبيح يقع على الصغير والكبير، لانه يقال القرد قبيح الصورة ولا يقال فاحش الصورة.