الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

اخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار انهم { قالوا هذه أنعام وحرث } يعني الانعام والزرع الذي جعلوهما لآلهتهم وأوثانهم. وقوله { بزعمهم } يدل على أنهم فعلوا ذلك بغير حجة بل بقولهم العاري عن برهان.

وقيل في الانعام الاولى قولان:

احدهما - قال الجبائي: التي ذكرها أولا فهو ما جعلوه لاوثانهم كما جعلوا الحرث للنفقة عليها في خدامها وما ينوب من أمرها. وقيل: قرباناً للاوثان. وأما الانعام التي ذكرت ثانياً، فهي السائبة والبحيرة والحام، وهو الفحل الذي يخلونه ويقولون: حمى ظهره، وهو قول الحسن ومجاهد. وأما التي ذكرت ثالثا - قيل فيه قولان: أحدهما التي إِذا ولَّدوها أو ذبحوها أو ركبوها لم يذكروا اسم الله عليها، وهو قول السدي وغيره.

والثاني قال ابو وائل هي التي لا يحجون عليها.

وقوله { حجر } معناه حرام تقول: حجرت على فلان كذا أي منعته منه بالتحريم، ومنه قولهحجرا محجورا } والحجر لامتناعه بالصلابة، والحجر العقل للامتناع به من القبيح، قال المتلمس:
حنت الى النخلة القصوى فقلت لها   حجر حرام ألا تلك الدهاريس
وقال رؤبة:
وجارة البيت لها حجريٌّ   
وقال الآخر:
فبت مرتفقاً والعين ساهرة   كأن نومي عليَّ الليل محجور
وقيل: حجر وحرج مثل جذب وجبذ، وبه قرأ ابن عباس. وبضم الحاء قراءة الحسن وقتادة. ويقال: حِجر وحَجر وحُجر بمعنى المنع بالتحريم، وحَجر الانسان، وحِجره بالكسر والفتح. وانما أعيبوا بتحريم ظهور الانعام، والواجب تحريمها عقلا حتى يرد سمع باباحته، لانهم حرموا ذلك على وجه الكذب على الله، وانه اوجب ذلك اذا كانت على صفة مخصوصة. وانما أعيبوا بأكلها بعد ذبحها، وهي حينئذ تجري مجرى الميتة، وذلك لا يعلم تحريمه عقلا، لانهم ادعوا انه على وجه التذكية إِفتراء على الله، فقصدوا به هذا القصد، ولذلك أعيبوا بتملكها وان كانوا سبقوا اليها، وانما وجب تحريم الانتفاع باستهلال الانعام، لان الايلام لا يحسن الا مع تضمن العوض الموافي عليه، وذلك مفتقر الى السمع.

وقوله { افتراء } يعني كذبا، وفي نصبه قولان: أحدهما - قالوا: إِفتراء على الله، الثاني - لا يذكرون اسم الله افتراء على الله، كأنه قيل: افتروا بتركهم التسمية الذي أضافوه الى الله إِفتراء عليه.