الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

قرأ ابن عامر وحده { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم } بضم الزاي، ونصب (الاولاد) وخفض { شركائهم }. الباقون بفتح الزاي، { قتل } مفتوح اللام { أولادهم } بجر الدال { شركاؤهم } بالرفع بالتزيين.

فوجه قراءة ابن عامر انه فرق بين المضاف والمضاف اليه بالمفعول، والتقدير: قتل شركائهم اولادهم، وشركاؤهم فاعل القتل، وانما جرب الاضافة ومن اضاف القتل الى الاولاد في القراءة الآخرى يكون الاولاد في موضع النصب، وهو مفعول به بالقتل وانشدوا فيه بيتا على الشذوذ أنشده بعض الحجازيين ذكره ابو الحسن:
فزججتها بمزجة   زج القلوص أبي مزاده
وذلك لا يجوز عند اكثر النحويين لان القراءة لا يجوز حملها على الشاذ القبيح، ولانه اذا ضعف الفصل بالظرف حتى لم يجز الا في ضرورة الشعر كقول الشاعر:
كما خط الكتاب بكف يوما يهودي   
فان لا يجوز في المفعول به أجدر، ولم يكن بعد الضعف الا الامتناع. وقيل انما حمل ابن عامر على هذه القراءة انه وجد { شركائهم } في مصاحف اهل الشام بالياء لا بالواو، وهذا يجوز فيه قتل اولادهم شركائهم على ايقاع الشرك للاولاد يعني شركائهم في النعم وفي النسب وفي الاولاد، ولو قيل أيضا زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم على ذكر الفاعل بعد ما ذكر الفعل على طريقة ما لم يسم فاعله جاز كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة   ومختبط مما تطيح الطوائح
أي ليبكه ضارع. ومثلهيسبح له فيها بالغدو والآصال رجال } وتقديره كأنه لما قال { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم } قال قائل من زينه؟ قيل زينه شركاؤهم. وقال الفراء تكون { شركائهم } على لغة من قال في عشاء عشاي كما قال الشاعر:
اذا الثريا طلعت عشايا   فبع لراعي غنم كسايا
وابو العباس يأبى هذا البيت، ويقول الرواية الصحيحة بالهمزة.

ووجه التشبيه في قوله { وكذلك زين } أنه كما جعل اولئك في الآية الاولى ما ليس لهم كذلك زين هؤلاء ما ليس لهم ان يزينوه. والشركاء الذين زينوا قتل الاولاد قيل فيهم خمسة اقوال:

احدها - قال الحسن ومجاهد والسدي: هم الشياطين زينوا لهم وأدِ البنات أحياء خوف الفقر والعار.

والثاني - قال الفراء والزجاج: هم قوم كانوا يخدمون الاوثان.

والثالث - انهم الغواة من الناس.

والرابع - قيل: شركاؤهم في نعمهم.

والخامس - شركاؤهم في الاشراك.

وقوله { ليردوهم } فالارداء الاهلاك، تقول: أراده يرديه إِرداء وردي يردي ردى اذا هلك، وتردي ترديا، ومنه قولهوما يغني عنه ماله إذا تردَّى } والمراد به الحجر يتردَّى من رأس جبل.

واللام في قوله { ليردوهم } قال قوم هي لام العاقبة، كما قالفالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } لانهم لم يكونوا معاندين فيقصدوا أن يردوهم ويلبسوا عليهم دينهم، هذا قول أبي عليٍّ. وقال غيره: يجوز ان يكون فيهم المعاند، ويكون ذلك على التغليب.

وقوله { ولو شاء الله ما فعلوه } معناه لو شاء ان يضطرهم الى تركه، او لو شاء ان يمنعهم منه لفعل، ولو فعل المنع والحيلولة لما فعلوه، لكن ذلك ينافي التكليف. ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) ان يذرهم اي يتركهم ولا يمنعهم ويخلي بينهم وبين ما يكذبون وذلك غاية التهديد كما يقول القائل: دعني وإِياه.