الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

قرأ ابن عامر { عما تعملون } بالتاء. الباقون بالياء.

ومن قرأ بالياء حمله على الغيبة. ومن قرأ بالتاء حمله على الخطاب للمواجهة. وفي الآية حذف وتقديرها، ولكل عامل بطاعة الله او معصيته منازل من عمله حتى يجازيه ان خيرا فخيرا، وان شرا فشرا. وما تقدم من ذكر الغافلين يدل على هذا الحذف.

و (قبل. وبعد) بنيتا عند حذف المضاف في مثل قولهلله الأمر من قبل ومن بعد } لانهما في حال الاعراب لم يكونا على التمكن التام، لانه لا يدخلهما الرفع في تلك الحال، فلما انضاف الى هذا النقصان من التمكن بحذف المضاف اليه أخرجا الى البنأ، وليس كذلك (كل) فانه متمكن على كل حال ولذلك لم يبن.

و (الدرجات) يحتمل أمرين: احدهما - الجزاء. والثاني - الاعمال فاذا وجهت الى الجزاء كان تقديره: ولكل درجات جزاء من اجل ما عملوا، واذا حمل على الاعمال كان تقديره: ولكل درجات أعمال من اعمالهم. وانما مثل الاعمال بالدرجات ليبين انه وان عمَّ احد قسميها صفة الحسن، وعم الآخر صفة القبيح، فليست في المراتب سواء، وانه بحسب ذلك يقع الجزاء، فالاعظم من العقاب للاعظم من المعاصي، والاعظم من الثواب للاعظم من الطاعات.

وقوله { وما ربك بغافل عما يعملون } انما ذكره ليعلموا انه لا يفوته شىء منهما ولا من مراتبهما حتى يجازي عليه بما يستحق من الجزاء، وفيه تنبيه وتذكير للخلق في كل امورهم.

والغفلة ذهاب المعنى عمن يصح ان يدركه. والغفلة عن المعنى والسهو عنه والغروب عنه نظائر، وضد الغفلة اليقظة، وضد السهو الذكر، وضد الغروب الحضور.