الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قرأ ابن كثير { ضيقا } بتخفيف الياء وسكونها - ها هنا - وفي الفرقان. الباقون بتشديدها وكسرها. وقرأ أهل المدينة وأبو بكر " حرجا " بكسر الراء. الباقون بفتحها. وقرأ ابن كثير { يصعد } بتخفيف الصاد والعين وسكون الصاد من غير الف، ورواه أبو بكر بتشديد الصاد وألف بعدها وتخفيف العين. الباقون بتشديد الصاد والعين وفتح الصاد من غير الف.

قال ابو علي النحوي: الضيِّق والضيق مثل الميِّت والميت في أن معناهما واحد. والياء والواو يشتركان في الحذف، وان لم تعل الياء بالقلب كما أعلت الواو به فاتبعت الياء الواو في هذا، كما اتبعتها في قولهم أيسر، قالوا في أيسار الجزور اتسر، فجعلت بمنزلة اتعد. وقال غيره: يجوز أن يكون من ضاق الامر يضيق ضيقا. وقد قرأه من قرأ { ولا تك في ضيق }. ومن فتح الراء من (حرج) جعلها وصفا للمصدر، لان المصادر قد توصف بمثل ذلك، كقولهم رجل دنف أي ذو دنف ولا يكون كبطل لان اسم الفاعل في الاكثر من (فَعَّل) انما يجيء على (فَعَل). ومن كسر الراء فهو مثل دنِف، وفرق. قال ابو زيد وحرج عليه السحور والسحر: اذا أصبح قبل أن يتسحر وحرج عليه حرجا وهما واحد، وحرجت على المرأة الصلاة تحرج حرجا، وحرمت عليها الصلاة تحرم حرما بمعنى واحد، ويقال حرج فلان يحرج اذا هاب ان يتقدم على الامر أو قاتل فصبر وهو كاره.

وقال غيره: هما بمعنى واحد كالدنَف والدنِف، والوحِد والوَحد، والفرِد والفرَد وقيل: الحرج الاثم والحرج الضيق الشديد.

ومن قرأ { يصعد } من الصعود، فالمعنى أنه في نفوره عن الاسلام، وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع.

ومن قرأ { يصعد } بتشديد الصاد والعين بلا الف أراد يتصعد فادغم. والمعنى كأنه يتكلف ما يثقل عليه. وكأنه تكلف شيئا بعد شيء كقولك يتصرف ويتحرج وغير ذلك مما يتعاطى فيه الفعل شيئا بعد شيء ويصاعد مثل يصعد ومثل ضاعف وضعف وناعم ونعم.

والضمير في قوله { يشرح صدره للإسلام } يحتمل ان يكون راجعا الى (من) وتقديره ان المهدي يشرح صدر نفسه، وهو جيد ويكون تقديره: من أراد الله أن يثيبه ويهديه الى طريق الجنة فليطعه. ومن أراد ان يعاقبه فليعصه فالارادة واقعة على فعل العبد بقلبه بالاحراج والضيق. ويقوي ذلك قولهمن كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله } فان الطمأنينة الى الايمان فعلهم لا محالة، لانه ايمان. ثم نسب تعالى شرح صدورهم بالكفر اليهم.

والثاني - أن يكون الضمير فيه عائدا أبدا الى اسم الله تعالى وهو الاقوى لقوله { فمن شرح الله صدره للإسلام } وقوله

السابقالتالي
2 3 4 5