الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

قرأ ابن عامر وحفص { منزل } بتشديد الزاي. الباقون بالتخفيف

من شدد حمله على التكرير بدلالة قولهتنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } ومن خفف فلقولهإنا أنزلناه في ليلة مباركة } وما أشبهها.

امر الله تعالى نبيه أن يقول لهؤلاء الكفار الذين مضى ذكرهم { أفغير الله أبتغي حكما } أي أطلب سوى الله حاكما، ونصب أفغير الله بفعل مقدر يفسره { أبتغي } تقديره أأبتغي غير الله أبتغي حكما، والحكم والحاكم بمعنى واحد، الا ان الحكم هو من كان أهلا أن يتحاكم اليه فهو أمدح من الحاكم، والحاكم جار على الفعل، وقد يحكم الحاكم بغير الحق، والحَكم لا يقضي الا بالحق لانها صفة مدح وتعظيم.

والمعنى هل يجوز لاحد ان يعدل عن حكم الله رغبة عنه، لانه لا يرضى به؟! أو هل يجوز مع حكم الله حكم يساويه في حكمه؟!

وقوله { وهو الذي } يعني الله الذي { أنزل إليكم الكتاب مفصلا } وانما مدح الكتاب بأنه مفصل، لان التفصيل تبيين المعاني بما ينفي التخليط المعمي للمعنى، وينفى ايضا التداخل الذي يوجب نقصان البيان عن المراد. وانما فصل القرآن بالآيات التي تفصل المعاني بعضها من بعض وتخليص الدلائل في كل فن.

وقيل: معنى { مفصلا } أي بما يفصل بين الصادق والكاذب من أمور الدين. وقيل: فصل فيه الحرام من الحلال، والكفر من الايمان، والهدى من الضلال - في قول الحسن -.

وقوله { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } لا يجوز ان يكون على عمومه، لان كثيرا من أهل الكتاب، بل أكثرهم جهال لا يعرفون. وقوله: أهل الكتاب، قد يستعمل تارة بمعنى العلم، وبمعنى الاقرار أخرى، كما يقال للعلماء بالقرآن: أهل القرآن. ويقال لجميع المسلمين أهل القرآن بمعنى أنهم مقرون به. وقوله { يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } قيل في معناه قولان:

احدهما - يعلمون ان كل ما فيه بيان عن الشيء على ما هو به، فترغيبه، وترهيبه، ووعده، ووعيده، وقصصه، وأمثاله، وغير ذلك مما فيه كله بهذه الصفة.

والثاني - أن معنى { بالحق } البرهان الذي تقدم لهم حتى علموه به.

فان قيل كيف يصح على أصلكم في الموافاة ونفي الاحباط وصف الكفار بأنهم يعلمون الحق وذلك مما يستحق به الثواب ولا خلاف أن الكافر لا ثواب معه؟!.

قلنا عنه جوابان: أحدهما - أن تكون الآية مخصوصة بمن آمن منهم في المستقبل، فانا نجوز أن يكونوا في الحال عالمين بالله وبأن القرآن حق ثم يظهرون الاسلام فيما بعد فيتكامل الايمان، لان الايمان لا يحصل دفعة واحدة بل يحصل جزءا فجزءا، لان أوله العلم بحدوث الاجسام، ثم ان لها محدثا، ثم العلم بصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، ثم العلم بالثواب والعقاب وما يتبعهما، وذلك يحصل في أوقات كثيرة.

السابقالتالي
2