الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

العامل في قوله { ولتصغى } قوله { يوحي } وهي لام الغرض وتقديره يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول ليغرونهم ولتصغى اليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، وتكون الهاء في قوله { إليه } عائدة الى القول المزخرف، ولا يجوز أن يكون العامل فيها جعلنا، لان الله تعالى لا يجوز أن يريد منهم أن تصغى قلوبهم الى الكفر ووحي الشياطين، اللهم الا ان يجعلها لام العاقبة كما قالفالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } غير ان هذا غير معلوم أن كل من أرادوا منه الصغو صغى، ولم يصح ذلك أيضا في قوله { وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون } لانه غير معلوم حصول جميع ذلك.

وعلى ما قلناه يكون جميع ذلك معطوفا بعضه على بعض ويكون مرادا كله للشياطين. وقال الجبائي: ان هذه لام الامر، والمراد بها التهديد، كما قالواستفزز } وقالاعملوا ما شئتم } قال لان علامة النصب والجزم تتفق في سقوط النون في قوله { وليرضوه وليقترفوا } وهذا غير صحيح، لانها لو كانت لام الامر لقال { ولتصغ } بحذف الالف وما قاله انما يمكن ان يقال في قوله { وليرضوه وليقترفوا } فأما في قوله { ولتصغى } فلا يمكن، فبان بذلك أنها لام كي. وقال الزجاج والبلخي: اللام في { ولتصغى } لام العاقبة وما بعده لام الامر الذي يراد به التهديد، وهذا جائز غير أن فيه تعسفا. ومعنى (صغا) مال و { لتصغى } أي لتميل، وهو قول ابن عباس وابن زيد، تقول: صغوت اليه أصغى صغوا وصغوا وصغيت أصغي بالياء أيضا وأصغيت اليه اصغاء بمعنى قول الشاعر:
ترى السفيه به عن كل محكمة   زيغ وفيه الى التشبيه اصغاء
ويقال أصغيت الاناء اذا أملته لتجمع ما فيه فاصله الميل لغرض من الاغراض.

وقوله { وليقترفوا } عطف على { ولتصغى } والاقتراف اكتساب الاثم، ومعناه وليكتسبوا الاثم - في قول ابن عباس وابن زيد والسدي - ويقال: خرج يقترف لاهله أي يكتسب لهم. وقارف فلان هذا الامر اذا واقعه وعمله وقرفتني بما ادعيت علي أي رميتني بالريبة، وقرف القرحة أي أقشر منها، واقترف كذبا قال رؤبة:
أعيا أقتراف الكذب المقروف   يقوي البغي وعفة العفيف
وأصله اقتطاع قطعة من الشيء ولام كي تنصب باضمار (أن) مثل (حتى) غير أنها قد تظهر مع اللام، ولا تظهر مع (حتى) لان (حتى) محمولة على التأويل، ومعناها (الى أن) لما فى (حتى) من الاشتراك. وليس في اللام حمل على تأويل حرف آخر. وقال البلخي: الاقتراف الادعاء والتهمة، يقول الرجل لغيره: أنت قرفتني أي نسبتني الى التهم.