الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

قرأ ابن عامر ونافع وابو جعفر { قبلا } بكسر القاف وفتح الباء. الباقون بضمها، قال أبو زيد: يقال لقيت فلانا قُبُلا وقبَلا وقَبُلا وقبيلا ومقابلة كله بمعنى المواجهة فعلى هذا المعنى واحد في اختلاف القراءات.

وقال ابو عبيدة " قِبَلا " أي معاينة، فعلى هذا من كسر القاف وفتح الباء أراد معناه عيانا، ومن قرأ بالضم فيهما قيل في معناه ثلاثة أقوال:

احدها - قال ابن عباس وقتادة وابن زيد: معناه مقابلة.

الثاني - قال مجاهد وعبد الله بن زيد: معناه قبيلا قبيلا أي جماعة جماعة فيكون جمع قبيل، وقبيل جمع قبيلة نحو سفين وسفينة ويجمع أيضا سفنا.

الثالث - قال الفراء انه جمع قبيل بمعنى كفيل نحو رغيف ورغف لقوله { أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } أي يضمنون ذلك.

قال ابو على الفارسي: وهذا الوجه ضعيف لانهم اذا لم يؤمنوا مع انزال الملائكة عليهم وكلام الموتى لهم مع ظهوره وبهوره ومشاهدته والضرورة اليه، فألا يؤمنوا بالمقالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطر أجدر، اللهم الا ان يقال موضع الآية الباهرة انه جمع القبيل الذى هو الكفيل هو حشر كل شيء، وفي الاشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فاذا نطق بالكفالة من لا ينطق كان ذلك موضع بهر الاية وكان ذلك قويا. فاما اذا حملت قوله { قبلا } على جمع القبيل الذي هو الصنف، فان موضع الايات هو حشر جميع الاشياء جنسا جنسا، وليس في العادة ان يحشر جميع الاشياء الى موضع واحد، فاذا اجتمعت كذلك كان ذلك باهراً واذا حملت { قبلا } بمعنى مواجهة فانه يكون حالا من المفعول به، والمعنى حشرناه معاينة ومواجهة، فيكون في معنى قراءة نافع { قِبَلا } أي معاينة. فأما قوله { العذاب قبلا } فمعناه مواجهة أو جمع قبيل. والمعنى يأتيهم العذاب صنفا صنفا. وقيل فيمن نزلت هذه الاية قولان:

احدهما - قال ابن عباس: نزلت في الكفار أهل الشقاء الذين علم الله انهم لا يؤمنون على حال.

الثاني - قال ابن جريج: نزلت في المستهزئين الذين سألوا الآيات.

أخبر الله تعالى بهذه الآية عن هؤلاء الكفار الذين سألوا الآيات وعلم من حالهم أنهم لا يؤمنون ولو فعل بهم ما فعل حتى لو أنزل عليهم الملائكة وكلمهم الموتى بأن يحييهم الله حتى يكلموهم، وحشر عليهم كل شيء قبلا، على المعنى الذي فسرناه من ظهور خرق العادة فيه والمعجزة الباهرة فيه لم يؤمنوا لشدة عنادهم وعتوهم في كفرهم. ثم قال { إلا أن يشاء الله } ومعناه احد أمرين:

أحدهما - قال الحسن: إِلا أن يشاء الله أن يجبرهم على الايمان بأن يمنعهم من اضداد الايمان كلها فيقع منهم الايمان.

السابقالتالي
2