الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قرأ ابو عمرو وحده { يخربون بيوتهم } بالتشديد قال الفراء: وهي قراءة ابي عبد الرحمن السلمي والحسن. الباقون بالتخفيف. قال قوم: معناهما واحد مثل اكرمته وكرمته. وقال بعضهم: معنى التخفيف انهم ينتقلون عنها فيعطلونها، وبالتشديد يهدمونها.

قد مضي تفسير { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } فلا معنى لاعادته.

وقوله { هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم } معناه ان الذي وصفه بأنه عزيز حكيم هو الله الذي أخرج الكفار من اليهود من ديارهم { لأول الحشر } قال قتادة ومجاهد: هم بنو النضير، لما نزل النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة عاقده بنو النضير على ان لا يكونوا عليه ولا له. ثم نقضوا العهد وأرادوا أن يطرحوه حجراً حين مضى النبي صلى الله عليه وآله اليهم يستعين بهم فى تحمل بعض الديتين اللتين لزمتا صاحب النبي صلى الله عليه وآله حين انقلب من بئر معونة فقتل نفسين، كان النبي صلى الله عليه وآله أجرهما، ومالوا للمشركين على النبى صلى الله عليه وآله فأجلاهم الله عن ديارهم على ان لهم الذرية وما حملت إبلهم والباقي لرسول الله فأجلاهم النبي صلى الله عليه وآله على هذا عن ديارهم ومنازلهم، فمنهم من خرج إلى خيبر، ومنهم من خرج إلى الشام.

وقوله تعالى { لأول الحشر } قال قوم: أول الحشر هو حشر اليهود من بني النضير إلى ارض الشام، وثاني الحشر حشر الناس يوم القيامة إلى ارض الشام أيضاً. وقال البلخي: يريد أول الجلاء، لان بني النضير أول من أجلي عن ارض العرب. والحشر جمع الناس من كل ناحية، ومنه الحاشر الذي يجمع الناس إلى ديوان الخراج، والجمع حشار { ما ظننتم أن يخرجوا } أي لم تظنوا خروجهم منها { وظنوا } هم { أنهم مانعتهم حصونهم من الله } أي حسبوا ان الحصون التي هم فيها تمنعهم من عذاب الله وإنزاله بهم على يد نبيه، فجعل تعالى امتناعهم من رسوله امتناعاً منه.

وقوله تعالى { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } أي اتاهم أمر الله من حيث لم يحتسبوا مجيئه منه { وقذف } أي ألقى { في قلوبهم الرعب } وهو الخوف { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } معناه إنهم كانوا يهدمون بيوتهم بأيديهم من داخل ليهربوا ويخرب المؤمنون من خارج - على ما ذكره الحسن - ثم قال تعالى { فاعتبروا يا أولي الأبصار } معناه اتعظوا وفكروا فلا تفعلوا كما فعل هؤلاء فيحل بكم ما حل بهم. والحصون جمع حصن، وهو البناء العالي المنيع، يقال: تحصن فلان إذا امتنع بدخوله الحصن.

ومن استدل بهذه الآية على صحة القياس فى الشريعة فقد أبعد. لان الاعتبار ليس من القياس فى شيء، وإنما معناه الاتعاظ على ما بيناه، ولا يليق بهذا الموضع قياس فى الشرع، لانه لو قال بعد قوله { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } فقيسوا الارز على الحنطة، لما كان كلاماً صحيحاً ولا يليق بما تقدم.

السابقالتالي
2