الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ }

قرأ { وما نزل من الحق } بتخفيف الزاي نافع وحفص عن عاصم، لانه يقع على القليل والكثير، ويكون النزول مضافاً إلى الحق. الباقون بالتشديد بمعنى أن الله هو الذى نزل الحق شيئاً بعد شيء. وقرأ ابن كثير وابو بكر عن عاصم وابن زيد { المصدقين والمصدقات } بتخفيف الصاد يذهبون إلى التصديق الذى هو خلاف التكذيب، ومعناه إن المؤمنين والمؤمنات. الباقون - بتشديد الصاد - يذهبون أن الأصل المتصدقين، فادغمت التاء في الصاد لتقارب مخرجهما وشدد.

ومعنى قوله { ألم يأن } ألم يحن { للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } أى تخضع لسماع ذكر الله ويخافون عقابه، وينبغي ان يكون هذا متوجهاً إلى طائفة مخصوصة لم يكن فيهم الخشوع التام حثوا على الرقة والرحمة. وأما من كان ممن وصفه الله بالخشوع والرحمة والرقة فطبقة فوق هؤلاء المؤمنين، ويقال أنى يأني أناً إذا حان، ومنه قولهغير ناظرين إناه } أى منتهاه. والخشوع لين القلب للحق بالآنقياد له، ومثله الخضوع وضده قسوة القلب. والحق ما دعا اليه العقل وهو الذى من عمل به نجا ومن عمل بخلافه هلك، والحق مطلوب كل عاقل في نظره وإن اخطأ طريقه، والقسوة غلظ القلب بالجفاء عن قبول الحق، قسا قلبه يقسو قسوة، فهو قاس.

{ وما نزل من الحق } من خفف اضاف النزول إلى الحق ومن شدد اراد ما نزله الله من الحق { ولا يكونوا } أى وألا تكونوا { كالذين أوتوا الكتاب } من اليهود والنصارى { من قبل } أى من قبلهم فيكون موضعه نصباً. ويحتمل ان يكون مجزوماً على النهي { فطال عليهم الأمد } يعني المدة والوقت، فان أهل الكتاب لما طال عليهم مدة الجزاء على الطاعات { فقست قلوبهم } حتى عدلوا عن الواجب وعملوا بالباطل. وقيل: معناه طال عليهم الأمد ما بين زمانهم وزمن موسى. وقيل: طال عليهم الامد ما بين نبيهم وزمن موسى. وقيل طال أمد الآخرة { فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } خارجون عن طاعة الله تعالى إلى معصيته فلا تكونوا مثلهم فيحكم الله فيكم بمثل ما حكم فيهم.

ثم قال { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها } بالجدب والقحط فكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الايمان بعد موته بالضلال بأن يلطف له ما يؤمن عنده.

ثم قال { قد بينا لكم الآيات } يعني الحجج الواضحات والدلائل البينات { لعلكم تعقلون } أى لكي تعقلوا وترجعوا إلى طاعته وتعملوا بما يأمركم به.

وقوله { إن المصدقين والمصدقات } من شدد أراد المتصدقين إلا انه ادغم التاء في الصاد، ومن خفف اراد الذين صدقوا بالحق { وأقرضوا الله قرضاً حسناً } أى انفقوا ما لهم في طاعة الله وسبيل مرضاته. ثم بين ما أعد لهم من الجزاء فقال { يضاعف لهم } أي يجازون بأمثال ذلك.

السابقالتالي
2