الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { بموقع } على التوحيد. الباقون { بمواقع } على الجمع.

هذا تنبيه آخر من الله تعالى على قدرته على النشأة الثانية، وعلى وجه الدلالة على ذلك وعلى اختصاصه بصفات لا يشركه فيها غيره، لانه قال { أفرأيتم } معاشر العقلاء { النار التي تورون } فالنار مأخوذ من النور، ومنه قول الحارث ابن حلزة:
فتنورت نارها من بعيد   بخزازي هيهات منك الصلاء
وجمع النور انوار، وجمع النار نيران، والنار على ضربين: نار محرقة، ونار غير محرقة. فالتي لا تحرق النار الكامنة بما هي مغمورة به كنار الشجر ونار الحجر ونار الكيد. والتي تحرق هي النار الظاهرة فيما هي مجاورة له مما من شأنه الاشتعال، وهي معروفة. ومعنى { تورون } تظهرون النار، ولا يجوز الهمزة، لأنه من اورى يورى إيراء إذا قدح، فمعنى تورون تقدحون. وورى الزند يوري، فهو وار إذا. أنقدحت منه النار، ووريت بك زنادي إذا اصابك أمري كما يضيء القدح بالزناد

ثم قال { أأنتم أنشأتم شجرتها } يعني الشجرة التي تنقدح منها النار أي انتم انبتموها وابتدأتموها { أم نحن المنشئون } لها، فلا يمكن أحد ان يدعي ان الذي أنشأها غير الله تعالى والعرب تقدح بالزند والزندة، وهو خشب معروف يحك بعضه ببعض فيخرج منه النار - ذكره الزجاج وغيره - وفى المثل (كل شجرة فيها نار واستمجد المرخ والعفار) فان قيل: لم لا يكون نار الشجر بطبع الشجر لا من قادر عليه. قيل: الطبع غير معقول، فلا يجوز أن يسند اليه الأفعال، ولو جاز ذلك للزم فى جميع افعال الله، وذلك باطل ولو كان معقولا لكان ذلك الطبع لا بد ان يكون فى الشجر والله تعالى الذي أنشأ الشجرة وما فيها، فقد رجع الى قادر عليه وإن كان بواسطة، ولو جاز ان تكون النار من غير قادر عليها لجاز أن يكون من عاجز، لأنه إذا امتنع الفعل ممن ليس بقادر عليه منا، لأنه فعل، وكل فعل ممتنع ممن ليس بقادر عليه.

وقوله { نحن جعلناها } يعني تلك النار { تذكرة ومتاعاً للمقوين } أي جعلنا النار تذكرة للنار الكبرى، وهي نار جهنم، فيكون ذلك زجراً عن المعاصي التي يستحق بها النار - فى قول مجاهد وقتادة - ويجوز ان يكون المراد تذكرة يتذكر بها ويتفكر فيها ويعتبر بها، فيعلم انه تعالى قادر على النشأة الثانية، كما قدر على إخراج النار من الشجر الرطب. وقوله { ومتاعاً للمقوين } يعني ينتفع بها المسافرون الذين نزلوا الأرض القي وهي القفر، قال الراجز:
قيّ يناصيها بلاد قيّ   
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: للمقوين المسافرين، وقيل: هو من أقوت الدار إذا خلت من أهلها قال الشاعر:

السابقالتالي
2 3