الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } * { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

قرأ { المنشئآت } بالكسر حمزة، ويحيى وقرأ { يخرج } بفتح الياء أهل الكوفة، وابن كثير وابن عامر أسندوا الفعل إلى اللؤلؤ والمرجان. الباقون، على ما لم يسم فاعله. وإنما أجازوا اسناد الفعل إلى الجوار واللؤلؤ والمرجان، كما قالوا مات زيد ومرض عمرو وما أشبه ذلك في ما يضاف الفعل اليه إذا وجد منه. وإن كان في الحقيقة لغيره، وكان المعنى المنشئات السير فحذف المفعول وأضاف السير اليه إتساعاً، لان سيرها إنما يكون بهبوب الريح. وقال الزجاج: من فتح الشين أراد المرفوعات الشرع، وبالكسر الحاملات الرافعات الشرع.

لما ذكر الله تعالى النعمة على الخلق بمرج البحرين اللذين يلتقيان، وإنهما مع ذلك لا يبغيان، بين أيضاً ما فيهما من النعمة، فقال يخرج منهما يعني من البحرين اللؤلؤ والمرجان. فاللؤلؤ معروف، ويقع على الصغار والكبار. والمرجان ضرب من الجوهر كالقضبان يخرج من البحر. وقال ابن عباس: اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره. وبه قال الحسن وقتادة والضحاك، وسمي المرجان بذلك لأنه حب من الجوهر كبير مختلط به مرجت أي خلطت. وإنما جاز أن يقول يخرج منهما، وهو يخرج من الملح دون العذب، لان العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح، كما يقال يخرج الولد من الذكر والانثى، وإنما تلده الانثى. وقال قوم: لا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي فيه العذب والملح، وذلك معروف عند الغواصين. وقال الزجاج: لانه إذا أخرجه من أحدهما فقد أخرجه من الآخر، لانه داخل فيهما وقال ابن عباس: إذا جاء القطر من السماء تفتحت الاصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ. وقال قوم المعنى من جهتهما ولا يجب إنه من كل واحد منهما، والأول وجه التأويل.

وقوله { وله الجوار المنشآت } والجوار جمع جارية وهي السفينة لانها تجري في الماء بأمر الله تعالى. والجارية المرأة الشابة، لأنه يجري فيها ماء الشباب، والمنشئآت المبتدآت للسير برفع القلاع. وقال مجاهد: ما رفع له القلاع، فهو منشأ وما لم يرفع قلاعه فليس بمنشأ، فجعل الانشاء برفع القلاع. والاعلام الجبال واحدها علم سمي بذلك لارتفاعه كارتفاع الاعلام المعروفة. وقال جرير:
إذا قطعن علماً بعد علم   حتى تناهين بنا إلى حكم
وقيل كالاعلام في العظم. وقوله { كل من عليها فان } إخبار من الله تعالى أن جميع من على وجه الارض من العقلاء يفنون ويخرجون من الوجود إلى العدم. وإذا ثبت ذلك وكانت الجواهر لا تفنى إلا بفناء يضادها على الوجود، فاذا وجد الفناء انتفت الجواهر كلها، لانها إختصاص له بجوهر دون جوهر، فالآية دالة على عدم جميع الاجسام على ما قلناه، لانه إذا ثبت عدم العقلاء بالآية ثبت عدم غيرهم، لانه لا يفرق من الأمة أحد بين الموضعين.

السابقالتالي
2