الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } * { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ } * { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } * { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ }

قرأ " ستعلمون " بالتاء اهل الشام وحمزة، على الخطاب، الباقون بالياء على الغيبة، اللام فى قوله { ولقد } جواب القسم فالله تعالى أقسم بأنه يسر القرآن للذكر، وقد بينا معناه. وقيل: الوجوه التي يسر الله بها القرآن هو أنه ابان عن الحكم الذي يعمل عليه، والمواعظ التي يرتدع بها، والمعاني التي يحتاج إلى التنبيه عليها والحجج التي تميز بها الحق من الباطل. وإنما أعيد ذكر التيسير لينبىء عن انه يسر بهذا الوجه من الوجوه كما يسر بالوجه الأول. وقد يسر بحسن التأليف للحفظ كما يسر بحسن البيان عما يخاف للوعظ. وقال الزجاج: إن كتب الأنبياء كانوا يقرؤنها نظراً ولم يحفظونها، والقرآن سهل الله تعالى عليهم حفظه فيحفظه الخلق الكثير، والتيسير التمكين التام لأنه قد يمكن العمل بمشقه وبغير شقة، فالذي تنتفى عنه المشقة للتمكين التام هو المسهل. وفائدة الآية تبيين ما ينبغي أن يطلب العلم من جهته. وإنما كرر لأنه حث على ذلك بعد حث، وأنه ميسر بضروب التيسير.

وقوله { كذبت ثمود بالنذر } إخبار من الله تعالى أن ثمود، وهم قوم صالح كذبت بالانذار. ومن قال: النذر جمع نذير قال لأن تكذيب واحد من الرسل فى إخلاص توحيد الله كتكذيب جميعهم، لانهم متفقون فى ذلك وإن اختلفت شرائعهم. وفائدة الآية التحذير من مثل حالهم.

ثم حكى ما قالته ثمود فانهم { قالوا أبشراً منا واحداً نتبعه } والمعنى أنتبع بشراً منا واحداً انتبعه؟! ودخلت عليهم الشبهة، فظنوا أن الانبياء ينبغي أن يكونوا جماعة، لان الاشياء ذووا نظائر تجري على حكم واحد، وتركوا النظر في أنه يجوز ان يصلح واحد من الخلق لتحمل النبوة وإن لم يصلح له غيره، فصار بمنزلة مدع لا دليل معه على صحة دعواه عندهم. وفائدة الآية تبيان شبهتهم الخسيسة الضعيفة وانهم حملوا أنفسهم على تكذيب الرسل لاجلها. وجوابهم أن يقال لهم: لأنه لا يصلح له سواه من جهة معرفته بربه وقيامه باداء رسالته وسلامة ظاهره وباطنه.

وقوله { إنا إذاً لفي ضلال } معناه إن اتبعناه مع انه واحد منا إنا إذا لفي ضلال عن الصواب { وسعر } أي وعناء - فى قول قتادة - والسعر جمع سعير كأنهم فى ضلال وعذاب كعذاب السعير. وقال قوم: معناه وسعر جنون. واصله التهاب الشيء وهو شدة انتشاره، يقال: ناقة مسعورة إذا كان لها جنون. وقال الزجاج: يجوز أن يكون المراد وعذاب، ويجوز جنون.

وقوله { أألقي الذكر عليه من بيننا } استفهام من قوم صالح على وجه الانكار والجحود والتعجب، ومعنى { أألقي الذكر } يعني الوحي { من بيننا } لما رأوا أستواء حال الناس فى الظاهر لم يكن بعضهم أحق عندهم بانزال الوحي عليه من بعض.

السابقالتالي
2