الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } * { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } * { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } * { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ }

قوله { والنجم } قسم من الله تعالى. وقد بينا أن الله تعالى له أن يقسم بما يشاء من خلقه، وليس للعباد أن يحلفوا إلا به. وقال قوم: معناه ورب النجم فحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه، وفى معنى { النجم } ها هنا ثلاثة أقوال:

احدها - قال مجاهد: المراد به الثريا إذا سقطت مع الفجر.

الثاني - في رواية أخرى عن مجاهد أن المراد به القرآن إذا نزل.

الثالث - قال الحسن: معناه جماعة النجوم. { إذا هوى } أي إذا سقط يوم القيامة كقوله - عز وجل -وإذا الكواكب انتثرت } وقيل: النجم على طريق الجنس، كما قال الراعى:
وباتت تعد النجم فى مستحيرة   سريع بأيدي الآكلين جمودها
(مستحيرة) شحمة مذابة صافية فى إهالة، لانها من شحم سمين.

وقوله { إذا هوى } قيل: معناه إذا هوى للمغيب ودل على ما فيه من العبرة بتصريف من يملك طلوعه وغروبه، ولا يملك ذلك إلا الله تعالى. وقيل: كان القرآن ينزل نجوماً، وبين أول نزوله وأخره عشرون سنة - ذكره الفراء وغيره - والنجم هو الخارج عن الشيء بخروج المنتشيء عنه. والهوى ميل الطباع إلى ما فيه الاستمتاع، وهو مقصور وجمعه أهواء، والهواء الذي هو الجو ممدود وجمعه أهوية.

وقوله { ما ضل صاحبكم } يعني النبي صلى الله عليه وآله ما ضل عن الحق { وما غوى } أي وما خاب عن إصابة الرشد، يقال: غوى يغوي غياً إذا خاب، وقال الشاعر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره   ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
أي من يخب { وما ينطق عن الهوى } أي ليس ينطق عن الهوى أي بالهوى، يقال: رميت بالقوس وعن القوس. والمعنى إنه لا يتكلم فى القرآن وما يؤديه اليكم عن الهوى الذي هو ميل الطبع { إن هو إلا وحي يوحى } معناه ليس الذي يتلوه عليكم من القرآن إلا وحي أوحاه الله اليه، فالوحي القاء المعنى إلى النفس فى خفى إلا أنه صار كالعلم في ما يلقيه الملك إلا النبي صلى الله عليه وآله من البشر عن الله تعالى، ومنه قولهفأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعيشاً } وقولهوأوحى ربك إلى النحل } أي ألهمها مراشدها، وهو راجع إلى ما قلناه من إلقاء المعنى إلى النفس فى خفى.

وقوله { علمه شديد القوى } فى نفسه وعلمه. والقوة هي القدرة. وقد تستعمل القوة بمعنى الشدة التي هي صلابة العقد كقوى الحبل.

وقوله { ذو مرة } صفة لجبرائيل عليه السلام أي صاحب مرة، وهي القوة. واصل المرة شدة الفتل، وهو ظاهر فى الحبل الذي يستمر به الفتل حتى ينتهي إلى ما يصعب به الحل. ثم تجري المرة على القدرة، لانه يتمكن بها من الفعل، كما يتمكن من الفعل بالآلة، فالمرة والقوة والشدة نظائر.

السابقالتالي
2 3