الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } * { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } * { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } * { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ }

لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا فى النبي صلى الله عليه وآله أنه كاهن ومجنون، وانه شاعر نتربص به ريب المنون أي نتوقع فيه حوادث الدهر والهلاك، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم يا محمد { تربصوا فإني معكم من المتربصين } فالتربص هو الانتظار بالشيء إنقلاب حال إلى خلافها. والمعنى إنكم إن تربصتم بي حوادث الدهر والهلاك، فاني معكم من المنتظرين لمثل ذلك، فتربص الكفار بالنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين قبيح، وتربص النبي والمؤمنين بالكفار وتوقعهم لهلاكهم حسن، وقوله { فتربصوا } وإن كان بصيغة الأمر فالمراد به التهديد.

وقوله { أم تأمرهم أحلامهم بهذا } على طريق الانكار عليهم ان هذا الذي يقولونه ويتربصون بك من الهلاك. أحلامهم أي عقولهم تأمرهم به، وتدعوهم اليه والاحلام جمع الحلم، وهو الامهال الذي يدعو إليه العقل والحكمة، فالله تعالى حليم كريم، لانه يمهل العصاة بما تدعو اليه الحكمة، ويقال: هذه أحلام قريش أي عقولهم. ثم قال تعالى ليس الأمر على ذلك { بل هم قوم طاغون } والطاغي هو الطالب للارتفاع بالظلم لمن كان من العباد، ومنه قولهإنا لما طغا الماء } لانه طلب الارتفاع كطلب الظالم للعباد فى الشدة، فحسن على جهة الاستعارة.

وقوله { أم يقولون تقوله } معناه بل يقولون أفتراه واخترعه وافتعله، لان التقول لا يكون إلا كذباً، لانه دخله معنى تكلف القول من غير حقيقة معنى يرجع اليه، وكذلك كل من تكلف أمراً من غير اقتضاء العقل أن له فعله فهو باطل. ثم قال { بل } هؤلاء الكفار { لا يصدقون } بنبوتك ولا بأن القرآن انزل من عند الله. والآية ينبغي ان تكون خاصة فيمن علم الله انه لا يؤمن.

ثم قال على وجه التحدي لهم { فليأتوا بحديث مثله } يعني مثل القرآن وما يقاربه { إن كانوا صادقين } فى انه شاعر وكاهن ومجنون وتقوله، لانه لا يتعذر عليهم مثله. وقيل المثل الذي وقع التحدي به هو ما كان مثله فى أعلا طبقة البلاغة من الكلام الذي ليس بشعر. واعلا طبقات البلاغة كلام قد جمع خمسة أوجه: تعديل الحروف فى المخارج، وتعديل الحروف فى التجانس وتشاكل المقاطع مما تقتضيه المعاني وتهذيب البيان بالايجاز فى موضعه والاطناب فى موضعه، والاستعارة فى موضعها والحقيقة في موضعها. واجراء جميع ذلك فى الحكم العقلية بالترغيب فى ما ينبغي ان يرغب فيه. والترهيب مما ينبغي ان يرهب منه، والحجة التي يميز بها الحق من الباطل. والموعظة التي تليق للعمل بالحق.

وقوله { أم خلقوا من غير شيء } معناه أخلقوا من غير خالق { أم هم الخالقون } لنفوسهم فلا يأتمرون لامر الله ولا ينتهون عما نهاهم عنه.

السابقالتالي
2