الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

هذا اخبار من الله تعالى أنه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، فاذا عبدوه أستحقوا الثواب، واللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لحصول العلم بأن كثيراً من الخلق لا يعبدون الله. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبره القائلين: بأن الله خلق كثيراً من خلقه للكفر به والضلال عن دينه وخلقهم ليعاقبهم بالنيران، لأنه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى تناقض، ولا إختلاف وقولهولقد ذرأنا لجهنم } قد بينا في ما مضى أن اللام لام العاقبة. والمعنى إنه خلق الخلق كلهم لعبادته وتصير عاقبة كثير منهم إلى جهنم بسوء اختيارهم من الكفر بالله وإرتكاب معاصيه.

فان قيل: أليس قد خلق الله كثيراً من خلقه لطفاً لغيرهم، فكيف يكون خلقهم لعبادته؟!.

قلنا: ما خلقه الله تعالى على ضربين: مكلف، وغير مكلف، فما ليس بمكلف خلقه للطف المكلفين، جماداً كان او حيواناً. وما هو مكلف خلقه لعبادته وإن كان فى خلقه أيضاً لطف للغير، وكأنه يكون خلقه للأمرين ويكون بمنزلة ما خلقته إلا ليعبد مع عبادة غيره لأن عبادة غيره مما هو غرض فى خلقه، ولولا ذلك لم يكن في خلق النبي عليه لطف لغيره، فالتقدير ما خلقته إلا لعبادته مع عبادة غيره به، وهو بمنزلة قول القائل ما أدبت ولدي إلا ليصلح جميعهم أي بتأديبي له مع تأديب غيره الذي يدعوه إلى خلافه، وليس المعنى ما خلقت كل مكلف إلا ليعبد هو فقط.

وفى الآية دلالة على انه تعالى لا يريد المباح، لانه ليس من العبادة.

وقوله { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } معناه نفي الايهام عن خلقهم لعبادته ان يكون ذلك لفائدة تقع وتعود عليه تعالى، فبين انه لفائدة النفع العائد على الخلق دونه تعالى لاستحالة النفع عليه ودفع المضار، لانه غني بنفسه لا يحتاج إلى غيره، وكل الناس محتاجون اليه. ومن زعم ان التأويل ما اريد ان يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم، فقد ترك الظاهر من غير ضرورة. وقال ابن عباس: معنى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الا ليتقربوا لي بالعبودية طوعاً وكرهاً.

ثم بين تعالى انه - جل وعز - هو الرزاق لعباده فقال { إن الله هو الرزاق } والخلق لا يرزقونه { ذو القوة } صاحب القدرة { المتين } ومعناه انه القوي الذي يستحيل عليه العجز والضعف، لانه ليس بقادر بقدرة، بل هو قادر لنفسه، ولانه ليس بجسم، والجسم هو الذي يحلقه ضعف. ومن خفض { المتين } - وهو يحيى ابن وثاب - جعله صفة للقوة، وذكره لانه ذهب إلى الحبل والشيء المفتون يريد القوة، قال الشاعر:
لكل دهر قد لبست أثوبا   من ريطة واليمنية المعصبا

السابقالتالي
2