الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

روى عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وابن عباس (رحمة الله عليه) ومجاهد ان { الذاريات } الرياح يقال: ذرت الريح التراب تذروه ذرواً، وهي ذارية إذا طيرته وأذرت تذري إذراء بمعنى واحد وسأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب على المنبر ما { الذاريات ذرواً } قال: الرياح، قال ما { الحاملات وقراً } فقال السحاب. فقال ما { الجاريات يسراً } قال السفن. والمعنى إنها تجري سهلا، فقال ما { المقسمات أمراً } قال الملائكة. وهو قول ابن عباس ومجاهد والحسن، وهذا قسم من الله تعالى بهذه الأشياء. وقال قوم: التقدير القسم برب هذه الاشياء لأنه لا يجوز القسم إلا بالله. وقد روي عن أبي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام أنه لا يجوز القسم إلا بالله. والله تعالى يقسم بما يشاء من خلقه.

وقيل: الوجه فى القسم بالذاريات تعظيم ما فيها من العبرة فى هبوبها تارة وسكونها اخرى، وذلك يقتضي مسكناً لها ومحركاً لا يشبه الاجسام، وفي مجيئها وقت الحاجة لتنشئة السحاب وتذرية الطعام ما يقتضي مصرفاً لها قادراً عليها، وما في عصوفها تارة ولينها أخرى ما يقتضي قاهراً لها ولكل شيء سواها.

والوجه في القسم بالحاملات وقراً، ما فيه من الآيات الدلالة على محمل حملها الماء وأمسكه من غير عماد واغاث بمطره العباد واحيي البلاد وصرفه في وقت الغنى عنه بما لو دام لصاروا إلى الهلاك، ولو انقطع اصلا، لاضربهم جميعاً. والوجه في القسم بالجاريات يسراً ما فيها من الدلائل وبتسخير البحر الملح والعذب بجريانها وتقدير الريح لها بما لو زاد لغرق ولو ركد لأهلك، وبما فى هداية النفوس إلى تدبير مصالحها وما في عظم النفع بها في ما ينقل من بلد إلى بلد بها.

والوجه في القسم بالملائكة ما فيها من اللطف وعظم الفائدة وجلالة المنزلة بتقسيم الأمور بأمر الله تعالى من دفع الآفة عن ذا واسلام ذاك ومن كتب حسنات ذا وسيئات ذاك، ومن قبض روح ذا وتأخير ذاك. ومن الدعاء للمؤمنين ولعن الكافرين، ومن استدعائهم إلى طريق الهدى وطلب ما هو أولى بصد داعي الشيطان والهوى عدو الانسان.

وقوله { إن ما توعدون لصادق } جواب القسم. ومعناه إن الذي وعدتم به من الثواب والعقاب والجنة والنار وعد صدق لا بد من كونه { وإن الدين لواقع } معناه إن الجزاء لكائن يوم القيامة، وهذا يفيد ان من استحق عقاباً، فانه يجازى به ويدخل في ذلك كل مستحق للعقاب، كأنه قال: إن جميع الجزاء واقع بأهله يوم القيامة في الآخرة. ثم استأنف قسماً آخر فقال { والسماء ذات الحبك } فالحبك الطرائق التي تجري على الشيء كالطرائق التي ترى في السماء.

السابقالتالي
2 3