الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

قرأ حمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم { لحَق مثل } بالرفع على أنه صفة للحق الباقون بالنصب، ويحتمل نصبه وجهين:

أحدهما - قول الجرمي أن يكون نصباً على الحال، كأنه قيل: حق مشبهاً لنطقكم في الثبوت.

الثاني - قال المازني إن (مثل) مبني، لانه مبهم أضيف إلى مبني، كما قال الشاعر:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت   حمامة في غصون ذات او قال
وقال: فجعل (مثل) مع (ما) كالأمر الواحد، كما قاللا ريب فيه } وقولهم: خمسة عشر، فيكون على هذا (ما) زائدة وأضاف (مثل) إلى { إنكم تنطقون } فبناه على الفتح حين أضافه إلى المبني، ولو كان مضافاً إلى معرب لم يجز البناء نحو: مثل زيد. وقيل: يجوز أن يكون نصباً على المصدر، وكأنه قال إنه لحق حقاً كنطقكم.

لما حكى الله تعالى حكم الكفار وما أعده لهم انواع العذاب، أخبر بما أعده للمؤمنين المطيعين الذين يتقون معاصي الله خوفاً من عقابه، ويفعلون ما أوجبه عليهم فقال { إن المتقين في جنات وعيون } أي فى بساتين تجنها الاشجار { وعيون } ماء تجري لهم في جنة الخلد، فهؤلاء ينعمون وأولئك يعذبون { آخذين ما آتاهم ربهم } من كرامته وثوابه بمعنى آخذين ما أعطاهم الله من ذلك ونصب { آخذين } على الحال { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } يفعلون الطاعات وينعمون على غيرهم بضروب الاحسان، ثم وصفهم فقال { كانوا } يعني المتقين الذين وعدهم بالجنات { قليلا من الليل ما يهجعون } فى دار التكليف أي كان هجوعهم قليلا - في قول الزهري وإبراهيم - وقال الحسن: (ما) صلة وتقديره كانوا قليلا يهجعون، وقال قتادة: لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها، كأنه قيل هجوعهم قليلا فى جنب يقظتهم للصلاة والعبادة. وقال الضحاك: تقديره كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا، ثم ابتدأ فقال { من الليل ما يهجعون } وتكون (ما) بمعنى النفي والمعنى إنهم كانوا يحيوون الليل بالقيام فى الصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك. ولا يجوز ان تكون (ما) جحدا لانه لا يقدم عليها معمولها. والهجوع النوم - في قول قتادة وابن عباس وإبراهيم والضحاك { وبالأسحار هم يستغفرون } أي يطلبون من الله المغفرة والستر لذنوبهم فى قول الحسن وابن زيد - وقال مجاهد: معناه يصلون فى السحر. وقوله { وفي أموالهم حق } وهو ما يلزمهم لزوم الديون من الزكوات وغير ذلك أو ما التزموه من مكارم الاخلاق، فهو الذي رغب الله فيه بقوله { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } فالسائل هو الذي يسأل الناس، والمحروم هو المحارف - في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك - وقال قتادة والزهري: المحروم هو المتعفف الذي لا يسأل. وقال إبراهيم: المحروم الذي لا سهم له فى الغنيمة.

السابقالتالي
2