الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

قرأ { وإدبار } بكسر الألف ابن كثير ونافع واهل الحجاز وحمزة على المصدر من أدبر إدباراً، وتقديره وقت إدبار السجود. والمصادر تجعل ظرفاً على إرادة اضافة اسماء الزمان اليها وحذفها، كقولهم جئتك مقدم الحاج وخلوق النجم ونحو ذلك يريدون فى ذلك كله وقت كذا وكذا فحذفوه. الباقون بفتح الألف على انه جمع (دبر):

يقول الله تعالى مخبراً { وكم أهلكنا } ومعناه وكثيراً أهلكنا وذلك أن (كم) تكون إستفهاما تارة فى معنى الخبر للتكثير وإنما خرجت عن الاستفهام إلى التكثير لتكون نقيضة (رب) فى التقليل وكانت احق به، لانها (اسم) مع إحتمالها للتقليل، فأما رب فى الكلام، فهي حرف يجري مجرى حرف النفي، لان التقليل أقرب إلى النفي، وإنما وجب لـ (كم) صدر الكلام فى الخبر إعلاماً بأنها خرجت عن الاستفهام مع انها نقيضة (رب) التي هي بمنزلة حروف النفي، ودخلت (من) على مفسر (كم) فى الخبر بمنزلة عدد يفسر بالمضاف كقولك عشر أثواب، وعشرة من الاثواب. فجاز حرف الاضافة كما جازت الاضافة، وليس كذلك عشرون درهماً، وجاز ان يفسر فى الخبر بالواحد وبالجمع: والقرن المقدار من الزمان الذي يقترون بالبقاء فيه أهله على مجرى العادة. وقال قوم: هو مئة وعشرون سنة. وقيل: ثمانون سنة وقال آخرون: هو سبعون سنة. وقال قوم: أربعون سنة. وقيل ثلاثون سنة. وقيل: عشر سنين { هم أشد منهم بطشاً } أى الذين أهلكناهم مثل هؤلاء الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء واكثر عدة كقوم عاد وغيرهم فلم يتعذر علينا ذلك، فما الذي يؤمن هؤلاء من مثل ذلك.

وقوله { فنقبوا في البلاد } أى فتحوا مسالك فى البلاد بشدة بطشهم فالتنقيب التفتيح بما يصلح للسلوك من نقض البنية، ومنه النقب الفتح الذى يصلح للمسلك وقد يفتح الله على العباد فى الرزق بأن يوسع عليهم فى رزقهم، ولا يصلح فيه النقب. وكل نقب فتح. وليس كل فتح نقباً، فالنقب نقض موضع بما يصلح للسلوك. وقال مجاهد: نقبوا فى البلاد أى ضربوا فى الارض ضرب جاعل المسالك بالنقب، قال امرؤ القيس:
لقد نقبت فى الافاق حتى   رضيت من الغنيمة بالآياب
وقوله { هل من محيص } أى هل من محيد، وهو الذهاب فى ناحية عن الأمر للهرب منه، حاص يحيص حيصاً فهو حايص مثل حاد يحيد حيداً فهو حايد والمعنى إن أولئك الكفار الذين وصفهم بشدة البطش لما نزل بهم عذاب الله لم يكن لهم مهرب ولا محيص عنه. وقيل هل من محيد من الموت، ومنجاً من الهلاك. قال الزجاج: هؤلاء الكفار طوفوا فى البلاد، فلم يجدوا مخلصاً من الموت.

وقوله { إن في ذلك لذكرى } يعني في ما أخبرته وقصصته لك لذكرى أى ما يتفكر فيه ويعتبر به { لمن كان له قلب } قيل معنى القلب - ها هنا - العقل من قولهم اين ذهب قلبك، وفلان ذاهب القلب، وفلان قلبه معه، وإنما قال { لمن كان له قلب } لان من لا يعيي الذكر لا يعتد بما له من القلب.

السابقالتالي
2