الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } * { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ }

يقول الله تعالى إن يوم الوعيد الذي بينه تجيء كل نفس من المكلفين { معها سائق } يسوقها { وشهيد } يشهد عليها، وهما ملكان احدهما يسوقه ويحثه على السير، والآخر يشهد عليه بما يعلمه من حاله ويشاهده منه وكتبه عليه، فهو يشهد بذلك على ما بينه الله ودبره.

وقوله { لقد كنت في غفلة } أي يقال له { لقد كنت في غفلة } أي في سهو ونسيان { من هذا } اليوم، فالغفلة ذهاب المعنى عن النفس، وضده اليقظة. وقوله { فكشفنا عنك غطاءك } أي أزلنا الغطاء عنك حتى ظهر لك الأمر، وإنما تظهر الأمور فى الآخرة بما يخلق الله فيهم من العلوم الضرورية، فيصير بمنزلة كشف الغطاء عما يرى، والمراد به جميع المكلفين: برّهم وفاجرهم، لان معارب الجميع ضرورية، وقوله { فبصرك اليوم حديد } معناه إن عينك حادة النظر لا يدخل عليها شك ولا شبهة. وقيل: المعنى فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ ليس يراد به بصر العين، كما يقال: فلان بصير بالنحو أو بالفقه. وقال الرماني: حديد مشتق من الحد، ومعناه منيع من الادخال فى الشيء ما ليس منه والاخراج عنه ما هو منه، وذلك فى صفة رؤيته للاشياء فى الآخرة.

وقوله { وقال قرينه } قال الحسن وقتادة وابن زيد: يعني الملك الشهيد عليه. وقال بعضهم: قرينه من الشياطين. والأول الوجه { هذا ما لدي عتيد } أي معد محفوظ { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد } إنما قيل: ألقيا، لأن المأمور به إلقاء كل كافر في النار إثنان من الملائكة. وقيل: يجوز ان يكون على لفظ الاثنين والمأمور واحد، لأنه بمنزلة إلقاء اثنين فى شدته، كما قال الشاعر:
فان تزجراني يا بن عفان انزجر   وإن تدعاني احم عرضاً ممنعا
والأول اظهر، وحكى الزجاج عن بعض النحويين: ان العرب تأمر الواحد بلفظ الاثنين تقول: قوما، واقعدا، قال الحجاج: (يا حرسي إضربا عنقه) وإنما قالوا ذلك، لأن اكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمر به بلفظ الاثنين نحو
خليلي مرا بي على أم جندب   
وقوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل   
وقال المبرد هذا فعل مبني للتأكيد، كأنه قال: ألق ألق، والعنيد الذاهب عن الحق وسبيل الرشد { مناع للخير } الذي أمر الله به من بذل المال في وجوهه من الزكاة وغيرها، لأنه صفة ذم تعم منع الخير الذي يجب بذله. ويدخل فيه الأول على وجهه التبع { معتد } أي متجاوز للحق فى قوله وفعله { مريب } أي آت من المنكر بما يشكك فى أمره.