الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

أمر الله تعالى أن يعلم المكلف أنه شديد العقاب، فالعلم ما اقتضى سكون النفس، وان شئت قلت هو اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس الى ما اعتقده، والأول أخص، ولا يجوز أن يحد العلم بأنه المعرفة، لأن المعرفة هي العلم، ولا يحد الشيء بنفسه. والعلم يتناول الشيء على ما هو به وكذلك الرؤية. والفرق بينهما ان العلم يتعلق بالمعلوم على وجوه، والرؤية لا تتعلق إِلا على وجه واحد. والعلم محله القلب. والرؤية ليست معنى على الحقيقة وانما تثبت للرائي بكونه رائيا صفة. ومن قال هو معنى قال محلها العين.

وفي الآية دلالة على أن المعرفة بالله وبصفاته ليست ضرورية، لأنها لو كانت ضرورية لما أمرنا بها. وليس لاحد أن يقول انما أمر على جهة التذكير، والتنبيه، لان ذلك ترك للظاهر.

والعقاب هو الضرر المستحق على جهة الاهانة والمقارن بالاستخفاف، ولو اقتصرت على ان تقول هو الضرر المستحق أو الضرر الذي يقارنه استخفاف واهانة لكان كافيا لان ما ليس بعقاب ليس بمستحق ولا يقارنه استخفاف وإِهانة وانما سمي عقابا لانه يستحق عقيب الذنب الواقع من صاحبه.

وقوله { وأن الله غفور رحيم } منصوب بـ { إِعلموا } وتقديره واعلموا ان الله غفور رحيم، والمغفرة هي ستر الخطيئة برفع عقابها. وأصلها الستر ومنه المغفرة وضم ذكر الرحمة الى المغفرة لبيان سبوغ نعم الله تعالى، وانه اذا أزال العقوبة بالتوبة أوجب الرحمة التي هي المغفرة. وذلك يدل على أن الغفران عند التوبة غير واجب وأنه تفضل وإِلا لم يكن كذلك.