الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قرأ ابن عامر وحده { قيماً للناس } بلا الف. الباقون قياما بالألف.

قال أبو علي الفارسي: قوله { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } تقديره جعل الله حج الكعبة أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس أو مكاسب الناس، لأنه مصدر (قام) كأن المعنى قام بنصبه ذلك لهم، فاستتبت بذلك معايشهم، واستقامت أحوالهم به فالقيام كالعياذ والعيال. وعلى هذا لحقته تاء التأنيث في هذه المصادر فجاءت (فعالة) كالزيادة والسياسة والحياكة، فكما جاءت هذه المصادر على (فعال) أو (فعالة) كذلك حكم القيام أن يكون على (فعال).

ووجه قراءة ابن عامر أحد أمرين: إِما أن يكون جعله مصدراً كالشبع أو حذف الالف وهو يريدها كما يقصر الممدود، وهذا الوجه انما يجوز في الشعر دون الكلام. وانما أعلوا الواو فقلبوها ياءاً لاعتلال الفعل، ولم يصححوها كما صحت في الحول والعوض، ألا ترى أنهم قالوا ديمة وديم، وحيلة وحيل فأعلوها في المجموع لاعتلال آحادها، فاعلال المصدر لاعتلال الفعل أولى.

والقوام هو العماد تقول: هو قوام الامر وملاكه، وهو ما يستقيم به أمره وقلبت الواو ياءاً لانكسار ما قبلها في مصدر (فعل، يفعل) وهو قام بالأمر قياما كقولك صام صياما. فأما صحة الواو فمن قاومه قواما مثل حاوره حواراً قال الراجز:
قوام دنياً وقوام دين   
وتقدير الآية جعل الله حج الكعبة أو نصب الكعبة قياما لمعاش الناس ومصالحهم.

وقوله { والشهر الحرام } معطوف على المفعول الأول لـ { جعل } كما تقول ظننت زيداً منطلقاً وعمراً أي فعل ذلك ليعلموا أن الله يعلم مصالح ما في السماوات والارض، وما يجري عليه شأنهم في معاشهم وغير ذلك مما يصلحهم { وأن الله بكل شيء عليم } بما يقيمهم، ويصلحهم عليه.

وقيل في قوله { قياماً للناس } ان معناه أمناً لهم. وقيل انه مما ينبغي أن يقيموا به. والاول أقوى. وقال قوم لما كان في المناسك زجراً عن القبيح ودعا الى الحق كان بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر أتباعه. وقال سعيد بن جبير { قياماً للناس } صلاحاً لهم. وقيل: يقوم به أبدانهم. وقيل { قياماً } يقومون به في متعبداتهم قال مجاهد وعكرمة: سميت الكعبة كعبة لتربيعها.

وقال أهل اللغة وانما قيل كعبة البيت واضيف لأن كعبة تربع اعلاه والكعوبة: النتوءَّ، فقيل للتربيع كعبة لنتوء زوايا المربع. ومنه كعب ثدي الجارية اذا نتأ ومنه كعب الانسان لنتوئه. وسميت الكعبة حراما لتحريم الله إياها ان يصاد صيدها أن يخلى خلاءها أو يعضد شجرها. وقوله { والشهر الحرام } قال الحسن: هي الاشهر الحرام الاربعة، فهذا على مخرج الواحد مذهب الجنس. وهي واحد فرد، وثلاثة سرد، فالفرد رجب، والسرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

و { القلائد } قيل فيه ثلاثة أقوال:

أحدها - ان الرجل من العرب كان ينتهي به الحال من الضرر والجوع الى ان يأكل العصب فيلقى الهدي مقلداً فلا يعرض له.

السابقالتالي
2