الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

قرأ أهل الكوفة ويعقوب { فجزاء } منونا { مثل } رفع. الباقون بالاضافة. وقرأ ابن عامر وأهل المدينة { أو كفارة } بغير تنوين { طعام } بالخفض. الباقون بالتنوين وأجمعوا على جمع مساكين. وقرأ بعضهم { أو عدل ذلك } بالكسر قال الاخفش: وهو الوجه، لأن العدل هو المثل. والعدل مصدر عدلت هذا بهذا عدلا حسناً. والعدل أيضا المثلولا يقبل منها عدل } أي مثل. قال الفراء: العدل - بفتح العين - ما عدل الشيء من غير جنسه - وبكسر العين - المثل، تقول: عندي غلام عادل غلامك - بالكسر - لأنه من جنسه وان أردت قيمته دراهم، قلت: عندي عدل غلامك، لأنها من غير جنسه. قال أبو علي الفارسي: حجة من رفع المثل أنه صفة للجزاء والمعنى فعليه جزاء من النعم مماثل المقتول. والتقدير فعليه جزاء أي فاللازم له أو فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد. وقوله { من النعم } على هذه القراءة صفة للنكرة التي هي { جزاء } وفيه ذكر، ويكون مثل صفة للجزاء لان المعنى عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم. والمماثلة في القيمة أو الخلقة على اختلاف الفقهاء في ذلك. ولا ينبغي إِضافة { جزاء } الى المثل ألا ترى انه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة، وانما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، ولا جزاء عليه لمثل المقتول الذي لم يقتله. واذا كان كذلك علمت ان الجزاء لا ينبغي أن يضاف الى { مثل } ولا يجوز أن يكون قوله { من النعم } على هذه القراءة متعلقا بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في قولهوجزاء سيئة سيئة مثلها } بـ { مثلها } لأنك قد وصفت الموصول، واذا وصفته لم يجز أن تعلق به بعد الوصف شيئا كما انك اذا عطفت عليه أو أكدته لم يجز أن تعلق به شيئا بعد العطف عليه والتأكيد له. فأما في قراءة من أضاف الجزاء الى المثل، فان قوله { من النعم } يكون صفة للجزاء كما كان في قول من نوَّن، ولم يضف صفة له.

ويجوز فيه وجه آخر لا يجوز في قول من نون ووصف: وهو أن يقدره متعلقا بالمصدر. ولا يجوز على هذا القول أن يكون فيه ذكر كما تضمن الذكر لما كان صفة. وانما جاز تعلقه بالمصدر على قول من أضاف، لأنك لم تصف الموصول كما وصفته في قول من نون، فيمتنع تعلقه به.

وأما من أضاف الجزاء الى { مثل } فانه وإِن كان جزاء المقتول لا جزاء مثله فانهم قد يقولون: أنا أكرم مثلك. يريدون أنا أكرمك، وكذلك اذا قال { فجزاء مثل } فالمراد جزاء ما قتل، فاذا كان كذلك كانت الاضافة في المعنى كغير الاضافة لان المعنى فعليه جزاء ما قتل.

السابقالتالي
2 3