الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

هذا خطاب للمؤمنين امرهم الله تعالى ان يكونوا قوامين بالقسط أي قائمين بالعدل يقومون به، ويدومون عليه شهدا. لله أي مبينون عن دين الله، لان الشاهد يبين ما شهد عليه.

و { قوامين } نصب بانه خبر كان { شهداء } نصب على الحال.

وقوله: { ولا يجرمنكم } قد فسرناه فيما مضى. قال الكسائي: وابو عبيدة معناه لا يحملنكم بغض قوم على الا تعدلوا يقال: جرمني فلان على أن فعلت كذا أي حملني عليه وقال الفراء يجرمنكم يكسبنكم يقال: جرمت على أهلي أي كسبتهم. وفلان جريمة أهله أي كاسبهم قال الكسائي: وفيه لغتان جرمت اجرم جرماً وأجرمت اجرم أجراماً. وشنآن قال الكسائي: معناه البغض وفيه لغتان: فتح النون الاولى وجزمها. وقد بينا اختلاف القراء فيه. قال الزجاج: من حرك النون اراد بغض قوم. ومن سكن اراد بغيض قوم. وحكى ايضاً جرم واجرم لغتين وقيل اجرمته ادخلته في الجرم كما قيل أثمته ومعناه ادخلته في الاثم والمعنى لا يحملنكم شنآن قوم اي بغض قوم ألا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم. وقال عبد الله بن كثير: نزلت هذه الآية في يهود حين مضى النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى حصن بني قريظة يستعينهم في دية فهموا أن يقتلوه، فنزلت هذه الآية، ثم أمرهم بعد النهي عن الجور أن يفعلوا العدل مع كل أحد ولياً كان أو عدواً، فان فعل العدل أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى، ثم حذرهم تعالى فقال { واتقوا الله } أي خافوا عقابه باجتناب معاصيه وفعل طاعاته، فان الله خبير أي عالم باعمالكم والكناية في قوله: { هو أقرب للتقوى } كناية عن العدل أي العدل أقرب للتقوى، ولو لم يكن هو في الكلام، لكان أقرب نصباً، كما قال: انتهوا خيراً لكم وكنى عن الفعل في هذا الموضع بهو.