الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }

اللام في قوله { لقد } لام القسم. أقسم الله تعالى بأنه { كفر الذين قالوا إِن الله هو المسيح ابن مريم } والكفر هو الجحود لما يجب عليه الاقرار به، والتصديق له. وقال الرماني: هو تضييع حق النعمة بالجحد او ما جرى مجراه في عظم الجرم. ولذلك كان من قتل نبياً فهو كافر وان أقر بجميع نعم الله. وعندنا إِن قتل نبي يدل على ان قاتله جاحد لما يجب عليه الاقرار به، والاعتقاد لتصديقه.

والذين يقولون من النصارى: إِن الله هو المسيح بن مريم هم اليعقوبية، وهم مع ذلك مثلثة، لأنهم يقولون إِن الأب والابن وروح القدس إِله واحد. وغيرهم يقولون: إِن المسيح ابن الله. ولا يقولون هو الله وأجمعوا على أنه إِله.

وقوله: { وقال المسيح يا بني إِسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم } اخبار عن المسيح (ع) أنه قال لبني اسرائيل الذين كانوا في زمانه { اعبدو الله ربي وربكم } الذي يملكني وإِياكم وإِني واياكم عبيده، ومن خلقني وخلقكم { إِنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة } فالشرك هو الكفر. وإِنما يطلق على من أشرك في عبادة الله غيره، وإِنما كان كافراً، لأنه جحد نعمة الله باضافتها الى غيره، وزعمه أن غيره يستحق العبادة مع ما ثبت أنه لا يقدر أحد على ما يستحق به العبادة سوى الله تعالى. والشرك أصله الاجتماع في الملك، فاذا كان الملك بين نفسين، فهما شريكان وكذلك كل شئ يكون بين نفسين، ولا يلزم على ذلك ما يضاف الى كل واحد منهما منفرداً كالعبد يكون ملكاً لله وهو ملك للانسان، لأنه لو بطل ملك الانسان، لكان ملكاً لله كما كان، لم يزد في ملكه شئ لم يكن.

وقوله: { فقد حرم الله عليه الجنة } اخبار من المسيح لقومه أن من يشرك بالله، فان الله يمنعه الجنة. والتحريم ها هنا هو تحريم منع لا تحريم عبادة.

وقوله: { ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } معناه أنهم مع حرمانهم الجنة مستقرهم النار، ولا ناصر لهم يدفع عنهم ويخلصهم مما هم فيه من أنواع العذاب.