الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { ألا تكون } بالرفع. الباقون بالنصب. ولم يختلفوا في رفع { فتنة } فمن رفع، فالمعنى حسبوا فعلهم غير فاتن لهم، لأنهم كانوا يقولون { نحن أبناء الله وأحباؤه } ومن نصبه فلأن " أن " تنصب الفعل المضارع. وقال أبو علي الفارسي الافعال على ثلاثة أضرب: فعل يدل على ثبات الشئ واستقراره نحو العلم، وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات، وفعل يحتمل الأمرين، فما كان معناه العلم وقع بعده (أن) الثقيلة، ولم تقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل، لأن الثقيلة معناها إِثبات الشئ واستقراره والعلم بأنه كذلك أيضاً، فاذا أوقع عليه واستعمل معه كان وقعه ملائماً له. ولو استعملت الناصبة للفعل بعد ما معناه العلم واستقرار الشئ له لتباينا وتدافعا، فمن استعمال الثقيلة بعد العلم وايقاعه عليها قوله:ويعلمون أن الله هو الحق المبين } وألم يعلم بأن الله يرى } ، لأن الباء زائدة. وكذلك التبين والتيقن، وما كان معناه العلم كقولهثم بدا لهم من بعد ما رءوا الآيات } فهذا ضرب من العلم لأنه تبين لأمر قد بان فلذلك كان قسما كما كان علمت قسما في نحو قوله:
ولقد علمت لتأتين منيتي   
وكذلكثم بدا لهم من بعد مارءوا الآيات ليسجننه حتى حين } فهو بمنزلة علموا ليسجننه وعلى ذلك قول الشاعر:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى   (ولا سابقاً شيئاً اذا كان جائيا)
فأوقع بعدها الشديدة كما يوقعها بعد علمت واما ما كان معناه ما لم يثبت ولم يستقر فنحو (أطمع) و (أخاف) و (اشفق) و (أرجو) فهذا ونحوه لا يستعمل بعده إِلا الخفيفة الناصبة للفعل كقوله تعالى:والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي } وقولهتخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم } وقوله:إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله. فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله } وقوله:فخشينا أن يرهقهما } وقولهأأشفقتم أن تقدموا } وكذلك أرجو، وعسى، ولعل فأما ما يستعمل في الامرين نحو حسبت وظننت وزعمت فهذا النحو يجعل مرة بمنزلة (أرجو) و (أطمع) من حيث كان أمراً غير مستقر ومرة يجعل بمنزلة العلم من حيث استعمل استعماله. ومن حيث كان خلافه. والشئ قد يجري مجرى الخلاف نحو (عطشان) و (ريان) فاما استعمالهم استعمال العلم، فلأنهم قد أجابوه بجواب القسم. حكى سيبويه ظننت ليسقيني. وقيل في قولهوظنوا ما لهم من محيص } ان النفي جواب الظن كما كان جواباً لعلمت في قولهعلمت ما أنزل هؤلاء إِلا رب السماوات } وكلا الوجهين جاء به القرآن مثل قراءة من نصب قولهأم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم } ألم أحسب الناس أن يتركوا } ومثل قراءة من رفع قولهأم يحسبون أنا لا نسمع سرهم }

السابقالتالي
2 3