الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

أخبر الله تعالى في هذه الآية عن اليهود انها قالت: إِن { يد الله مغلولة } وقيل في معني { مغلولة } قولان: أحدهما قال ابن عباس وقتادة، والضحاك: إِن المراد بذلك أنها مقبوضة من العطاء على وجه الصفة له بالبخل كما قال تعالىولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } وانما قالوا ذلك لما نزل قولهمن ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } قالوا: إِن رب محمد فقير يستقرض منا فأنزل الله هذه الآية.

الثاني قال الحسن معناه انها مقبوضة عن عذابنا.

وقال البلخي يجوز ان يكون اليهود، قالوا قولا واعتقدوا مذهباً معناه يؤدي الى ان الله يبخل في حال ويجود في حال أخرى، فحكى الله تعالى ذلك على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم. ويجوز أن يكون ذلك على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم. ويجوز ان يكونوا قالوا ذلك على وجه الهزء حيث لم يوسِّع على النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلى أصحابه. وليس ينبغي أن يتعجب من قوم يقولون لموسى: { إِجعل لنا إِلهاً كما لهم آلهة } ومن اتخذ العجل إِلهاً، ومن زعم أن ربه أبيض الرأس واللحية جالس على كرسي، كيف يقولون إِن الله يبخل مرة ويجود اخرى. وقال الحسين بن علي المغربي حدثني بعض اليهود الثقات منهم بمصر ان طائفة قديمة من اليهود قالت ذلك بهذا اللفظ.

وأما اليد فانها تستعمل على خمسة أوجه: أحدها - الجارحة. والثاني - النعمة. الثالث - القوة. الرابع - الملك. الخامس - تحقيق إِضافة الفعل، قال الله تعالىأولي الأيدي والأبصار } معناه القوى ويقال لفلان على فلان يد أي نعمة وله علي يد أشكرها أي نعمة. وقال الشاعر:
له في ذوي الحاجات أيد كأنها   مواقع ماء المزن في البلد القفر
ومثل ذلك يقولون له عليه صنع حسنة. وقولهالذي بيده عقدة النكاح } معناه من يملك ذلك وقولهلما خلقت بيدي } أي توليت خلقه. وقوله { غلت أيدهم } قيل في معناه قولان:

أحدهما - قال الزجاج وغيره معناه الزموا البخل على مطابقة الكلام الأول فهم أبخل الناس.

الثاني - قال الحسن وأبو علي { غلت أيديهم } في جهنم.

وقوله { ولعنوا بما قالوا } أي أبعدوا من رحمة الله وثوابه. وقوله { بل يداه مبسوطتان } تكذيب منه تعالى لما قالوا وإِخبار أن يديه مبسوطتان أي نعمه مبسوطة. وقيل في وجه تثنية اليد ثلاثة أقوال:

أحدها - أنه أراد نعمة الدنيا ونعمة الدين أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.

الثاني - قال الحسن معناه قوتاه بالثواب والعقاب والغفران والعذاب بخلاف قول اليهود إِن يده مقبوضة عن عذابنا.

الثالث - أن التثنية للمبالغة في صفة النعمة مثل قولهم: لبيك وسعديك، وكما يقول القائل: بسط يديه يعطي يمنة ويسرة ولا يريدون الجارحة وإِنما يريدون كثرة العطية وقال الاعشى:

السابقالتالي
2