الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

قرأ { والكفار } بالجر أبو عمرو، ونافع، والكسائي. والباقون بالنصب، فمن نصب عطف على { الذين اتخذوا دينكم } وحجتهم في ذلك قوله: { لا يتخذوا المؤمنون الكافرين أولياء }. ومن جرعطف على { من الذين أوتوا الكتاب } أي ومن الكفار أولياء وحجتهم في ذلك أن الحمل على أقرب العاملين أجود، لانها لغة القرآن وحسن الحمل على الجر، لان فرق الكفار ثلاث المشرك. والمنافق. والكتابي الذي لم يسلم وقد كان منهم الهزء فساغ لذلك أن يكون الكفار مجروراً وتفسيراً للموصول وموضحاً له. وقد اخبر الله تعالى أن المشركين كان منهم إِستهزاء بقولهإِنا كفيناك المستهزئين } وعن المنافقين في قوله:وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن } واخبر عن الكتابي في هذه الآية. فقال { لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار } وإِن وقع على جميع الأصناف، فهو في من ليس من أهل الكتاب أليق، وعليه أغلب، فلذلك أفرد بالذكر. وقال الحسن: المعنى بالكفار مشركوا العرب، وإِنما دخل غيرهم في الحكم بما صحب الكلام من الدليل وقال غيره: يدخل فيه جميع أصناف الكفار، وانما وصفهم الله تعالى بما كانوا عليه من التلاعب بالدين لامرين:

أحدهما - لاغراء المؤمنين بعداوتهم والبراءة منهم.

الثاني - ذماً لهم وتحذيراً من مثل حالهم لأنها حال السفهاء الذين لا خلاق لهم. وقال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الاسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فانزل الله هذه الآية ويجوز في " هزواً " أربعة أوجه: الاول " هزؤاً " بضم الزاي وتخفيف الهمزة، الثاني هزواً بالواو ومن غير همز على التخفيف لأن الهمزة مفتوحة قبلها ضمة كجون، الثالث هزأ بسكون الزاي والهمز. الرابع هزى على وزن هدى بفتح الزاي واسقاط الهمزة. والهزء السخرية وهو اظهار ما يلهي تعجباً مما يجري. قال الله تعالى:ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن } وقال الشاعر:
ألا هزئت واعجبها المشيب   فلا نكر لديك ولا عجيب
ويقال هزئ به يهزأ هزواً وهزؤا واستهزؤا به استهزاءاً. و (اللعب) الأخذ على غير طريق الحق، ومثله العبث وأصله من لعاب الصبي يقال: لعب يلعب لعباً اذا سال لعابه لانه يخرج الى غير جهته وكذلك اللاعب يمر في غير جهة الصواب.

وقوله: { إن كنتم مؤمنين }: قيل في معناه قولان:

أحدهما - ان كنتم مؤمنين بوعده ووعيده.

الثاني - إِن من كان مؤمناً غضب لايمانه على من طعن فيه. وكافاه بما يستحقه من المقت له.