الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فيه، فروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه، والطبري، والرماني، ومجاهد، والسدي: إِنها نزلت في علي (ع) حين تصدق بخاتمه وهو راكع، وهو قول ابي جعفر وابي عبد الله (ع) وجميع علماء أهل البيت. وقال الحسن والجبائي: انها نزلت في جميع المؤمنين. وقال قوم نزلت في عبادة بن الصامت في تبرئه من يهود بني قينقاع، وحلفهم الى رسول الله والمؤمنين. وقال المكلبي نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه لما أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم، فنزلت الآية.

واعلم إِن هذه الآية من الأدلة الواضحة على إِمامة أمير المؤمنين (ع) بعد النبي بلا فصل.

ووجه الدلالة فيها أنه قد ثبت أن الوليَّ في الآية بمعنى الأولى والأحق. وثبت أيضاً أن المعني بقوله { والذين آمنوا } أمير المؤمنين (ع) فاذا ثبت هذان الاصلان دل على إِمامته، لأن كل من قال: ان معنى الولي في الآية ما ذكرناه قال إِنها خاصة فيه. ومن قال باختصاصها به (ع) قال المراد بها الامامة.

فان قيل دلوا أولا على ان الولي يستعمل في اللغة بمعنى الأولى والاحق ثم على ان المراد به في الآية ذلك، ثم دلوا على توجهها الى أمير المؤمنين (ع).

قلنا: الذي يدل على أن الولي يفيد الأولى قول أهل اللغة للسلطان المالك للأمر: فلان ولي الأمر قال الكميت:
ونعم ولي الأمر بعد وليه   ومنتجع التقوى ونعم المؤدب
ويقولون: فلان ولي عهد المسلمين إِذا استخلف للأمر لأنه أولى بمقام من قبله من غيره وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) " أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل " يريد من هو أولى بالعقد عليها. وقال تعالى:فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب } يعني من يكون أولى بحيازة ميراثي من بني العم. وقال المبرد: الولي والأولى والأحق والمولى بمعنى واحد والأمر فيما ذكرناه ظاهر، فاما الذي يدل على أن المراد به في الآية ما ذكرناه هو ان الله تعالى نفى ان يكون لنا ولي غير الله وغير رسوله، والذين آمنوا بلفظة { إنما } ولو كان المراد به الموالاة في الدين لما خص بها المذكورين، لأن الموالاة في الدين عامة في المؤمنين كلهم. قال الله تعالىوالمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وإنما قلنا: أن لفظة { إِنما } تفيد التخصيص، لأن القائل، إِذا قال إِنما لك عندي درهم فهم منه نفي ما زاد عليه، وقام مقام قوله: ليس لك عندي إِلا درهم. ولذلك يقولون انما النحاة المدققون البصريون ويريدون نفي التدقيق عن غيرهم. ومثله قولهم: إِنما السخاء سخاء حاتم يريدون نفي السخاء عن غيره، قال الاعشى:

السابقالتالي
2 3 4