الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه أحلّ للمؤمنين الطيبات، وهي الحلال على ما بينا القول فيه في الآية الاولى، دون ما حرم في الآية المتقدمة. وقيل: معنى الطيبات ما يستلذ ويستطاب. وظاهر الآية على هذا يقتضي تحليل كل مستطاب إلا ما قال دليل على تحريمه.

وقوله: { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } رفع بالابتداء { وحل لكم } خبره وذلك يختص عند اكثر اصحابنا بالحبوب، لانها المباحة من أطعمة أهل الكتاب، فاما ذبائحم وكل مائع يباشرونه بايديهم فانه نجس ولا يحل استعماله وتذكيتهم لا تصح لان من شرط صحتها التسمية لقوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وهؤلاء لا يذكرون اسم الله. وإذا ذكروه قصدوا بذلك اسم من ابد شرع موسى أو عيسى أو اتخذ عيسى ابناً. وكذب محمداً (صلى الله عليه وآله) وذلك غير الله. وقد حرم الله ذلك بقوله: { وما أهل لغير الله به } على ما مضى القول فيه واكثر المفسرين على أن قوله: { وطعام الذين أوتوا الكتاب } المراد به ذبائحهم وبه قال قوم من اصحابنا: فممن ذهب اليه الطبري والبلخي والجبائي واكثر الفقهاء، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: أراد بذلك ذباحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والانجيل، أو ممن دخل في ملتهم ودان بدينهم، وحرم ما حرموا، وحلل ما حللوا. ذهب اليه ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن المسيب، والشعبي وابن جريج، وعطا والحكم وقتادة. واجازوا ذبائح نصارى بني تغلب وقال آخرون: إنما عنى به الذين أنزلت التوراة والانجيل عليهم، ومن كان دخيلا فيهم من سائر الامم، ودان بدينهم، فلا تحل ذبائحهم. حكى ذلك الربيع عن الشافعي من الفقهاء. وروي تحريم ذبائح نصارى تغلب عن علي (عليه السلام) ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقال مجاهد، وابراهيم وابن عباس وقتادة والسدي والضحاك، وابن زيد وابو الدرداء إن اطعام الذين اوتوا الكتاب ذبائحهم وغيرها من الاطعمة. وبه قال الطبري والجبائي والبلخي وغيرهم.

وقوله: { وطعامكم حل لهم } فيه بيان إن طعامنا ايضاً حل لهم، فان قيل فما معنى ذلك، وهم لا يستحلون طعامنا بتحليلنا لهم ذلك؟ قلنا عنه جوابان:

احدهما - ان الله بين بذلك أنه حلال لهم ذلك سواء قبلوه، أو لم يقبلوه.

والثاني - أن يكون حلال للمسلمين بذله لهم، ولو كان محرماً عليهم، لما جاز لمسلم بذله اياه.

وقوله: { والمحصنات من المؤمنات } معناه واحل لكم العقد على المحصنات يعني العفائف من المؤمنات. وقيل هن الحرائر منهن، ولا يدل ذلك على تحريم من ليس بعفيفة، لان ذلك دليل خطاب يترك لدليل يقوم على خلافه، ولا خلاف أنه لو عقد على من ليس بعفيفة، ولا امة كان عقده صحيحا غير مفسوخ، وان كان الاولى تجنبه.

السابقالتالي
2 3