الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ }

موضع " أن احكم " نصب والعامل فيها وانزلنا والتقدير وأنزلنا اليك أن احكم بينهم بما انزل الله. ويجوز أن يكون موضعها رفعاً وتقديره ومن الواجب أن احكم بينهم بما أنزل الله. ووصلت أن بالامر ولا يجوز صلة الذي بالامر لأن (الذي) اسم ناقص مفتقر الى صلة في البيان عنه فتجري مجرى صفة النكرة ولذلك لا بد لها من عائد يعود اليها وليس كذلك " ان " لانها حرف، وهي مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد فلما كان في فعل الأمر معنى المصدر جاز وصل الحرف به على معنى مصدره.

وانما كرر الأمر بالحكم بينهم، لامرين:

أحدهما - أنهما حكمان أمر بهما جميعاً لانهم احتكموا اليه في زناء المحصن ثم احتكموا اليه في قتيل كان منهم ذكره أبو علي وهو المروي عن ابي جعفر (ع).

الثاني - ان الأمر الاول مطلق والثاني دل على أنه منزل.

وقوله { ولا تتبع أهواءهم } نهي له (صلى الله عليه وسلم) أن يتبع أهواءهم فيحكم بما يهوونه.

وقوله { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } في قولان:

أحدهما - قال ابن عباس احذرهم ان يضلوك عن ذلك الى ما يهوون من الأحكام اطماعاً منهم في الاستجابة الى الاسلام.

الثاني - قال ابن زيد احذرهم ان يضلوك بالكذب عن التوراة بما ليس فيها فاني قد بينت لك حكمها. وقال الشعبي الآية وان خرجت مخرج الكلام على اليهود فان المجوس داخلون فيها.

وقوله { فإن تولوا } معناه فان أعرضوا عن حكمك بما أنزل الله { فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم } قيل في معناه أربعة أقوال:

أحدها - قال الجبائي انه وان ذكر لفظ الخصوص فان المراد به العموم كما قد يذكر العموم ويراد به الخصوص.

الثاني - انه على تغليط العقاب أي يكفي أن يؤخذوا ببغض ذنوبهم في اهلاكهم والتدمير عليهم.

الثالث ان يعجل بعض العقاب بما كان من التمرد في الاجرام لان ذلك من حكم الله في العباد.

الرابع - قال الحسن: ان المراد به اجلاء بني النضير بنقض العهد وقتل بني قريظة وقوله { وإن كثيراً من الناس لفاسقون } معناه تسلية للنبي (صلى الله عليه وسلم) عن اتباع هؤلاء القوم الى اجابته والاقرار بنبوته بأن قليلا من الناس الذين يؤمنون، وان الاكثر هم الفاسقون، فلا ينبغي ان يعظم ذلك عليك.