الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قرأ " اخشوني " بياء في الوصل أهل البصرة وأبو جعفر، واسماعيل، ويقف يعقوب بالياء.

أخبر الله تعالى أنه الذي أنزل التوراة فيها هدى أي بيان أن أمر النبي حق وأنَّ ما سألوك عنه في حكم الزانيين حق، والقود حق { ونور } يعني فيها جلاء ما أظلم عليهم وضياء ما التبس عيلهم { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } يعني يحكم بالتوراة النبيون الذين أذعنوا بحكم الله وأقرّوا به. وقال الحسن وقتادة وعكرمة والزهري والسدي: إِن النبي (صلى الله عليه وسلم) داخل في ذلك، بل قال أكثرهم: هو المعني بذلك لما حكم في رجم المحصن، ولا يدل ذلك على أنه كان متعبداً بشرع موسى (ع) لأن الله تعالى هو الذي أوجب عليه بوحي أنزل عليه لا بالرجوع الى التوراة فصار ذلك شرعاً له وإِن وافق ما في التوراة وإِنما نبه اليهود بذلك على صحة نبوته من حيث علم ما هو من غامض علم التوراة ومما قد التبس على كثير منهم وهو قد عرف ذلك من غير قراءة كتبهم، والرجوع الى علمائهم، فلم يكن ذلك إلا باعلام الله له ذلك وذلك من دلائل صدقه (صلى الله عليه وآله).

وقوله: { للذين هادوا } العامل في { الذين } أحد شيئين:

أحدهما { يحكم } في قول الزجاج وابي علي وجماعة من أهل التأويل.

والثاني - قال قوم العامل { أنزلنا } كأنه قال أنزلناها للذين هادوا.

والربانيون. قد فسرناه فيما مضى وهو جمع رباني وهم العلماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم، قال السدي: عنا به ابن صوريا. وقال الباقون - وهو الأولى - إِنه على الجمع، والاحبار جمع حبر، وهو العالم مشتق من التحبير وهو التحسين فالعالم يحسِّن الحسن ويقبِّح القبيح، وقال الفراء، أكثر ما سمعت فيه حبر بالكسر. وقوله { بما استحفظوا } معناه بما استودعوا. والعامل في الباء أحد سببين:

أحدهما - " الاحبار " كأنه قال العلماء بما استحفظوا.

والثاني - { يحكم } بما استحفظوا.

وقوله: { وكانوا عليه شهداء } قيل في معناه قولان:

أحدهما - قال ابن عباس شهداء على حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) في التوراة.

الثاني - شهداء على ذلك الحكم أنه الحق من عند الله.

وقوله: { فلا تخشوا الناس واخشوني } قيل في معناه قولان:

أحدهما - لا تخشوهم يا علماء اليهود في كتمان ما أنزلت ذهب اليه السدي.

الثاني - لا تخشوهم في الحكم بغير ما انزلت بل اخشوني فان النفع والضر بيدي { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } معناه لا تأخذوا بترك الحكم الذي أنزلته على موسى (ع) أيها الاحبار خسيساً. وهو الثمن القليل. وإِنما نهاهم عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله وتغييرهم حكمه، وهو قول ابن زيد والسدي.

السابقالتالي
2