الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) نهاه الله أنه يحزنه الذين يسارعون في الكفر أي يبادرون فيه. و { يحزنك } - بفتح الياء وضمها - لغتان. وقد قرئ بهما. وقد قدمنا ذكره مستوفىً.

من المنافقين { الذين قالوا آمنا } يعني صدقنا { بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } يعني لم تصدق قلوبهم { ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } وقف ها هنا. و { سماعون } فيه مبالغة من سامع مثل جابر وجبار. وقيل في رفع { سماعون } قولان:

أحدهما - قال سيبويه رفع على الابتداء والخبر { من الذين هادوا } كما تقول من قومك عقلاء.

الثاني - قال الزجاج: على أنه خبر الابتداء. وتقديره: المنافقون هم، واليهود سماعون للكذب. وقيل في معنى ذلك قولان:

أحدهما - { سماعون } كلامك للكذب عليك سماعون كلامك { لقوم آخرين لم يأتوك } ليكذبوا عليك اذا رجعوا اليهم أي هم عيون عليك. وقيل انهم كانوا رسل أهل خيبر لم يحضروا. فلهذا جالسوك، هذا قول الحسن والزجاج وأبو علي.

الثاني - قال أهل التفسير { سماعون للكذب } قابلون له كما يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه، ومنه سمع الله لمن حمده { سماعون لقوم آخرين } ارسلوا بهم في قضية زان محصن. فقالوا لهم: إِن أفتاكم محمد (صلى الله عليه وسلم) بالجلد فخذوه وإِن أفتاكم بالرّجم فلا تقبلوه، لأنهم قد كانوا حرفوا حكم الجلد الذي في التوارة الى جلد أربعين، وتسويد الوجه والاشهار على حمار. هذا قول ابن عباس، وجابر، وسعيد بن المسيب والسدي، وابن زيد. وقال قتادة: إِنما كان ذلك في قتيل منهم قالوا: إِن أفتاكم بالدية فاقبلوه وإِن أفتاكم بالقود فاحذروه. وقال أبو جعفر (ع) نزلت الآية في أمر بني النضير وبني قريظة وقوله: { يحرفون الكلم } قيل في معنى (تحريفهم) قولان:

أحدهما - تحريف كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد سماعه، للكذب { يقولون إِن أوتيتم هذا } أي دين اليهود فاقبلوه { وإِن لم تؤتوه فاحذروا } أن تقبلوا خلافه - في قول الحسن وابي علي.

الثاني - جعلهم بدل رجم المحصن جلد أربعين تغييراً لحكم الله - في قول المفسرين.

وقوله: { من بعد مواضعه } لأن المعنى من بعد استقراره في مواضعه، ومضي الايام عليه. وقال الزجاج من بعد أن فرض فروضه، وأحلَّ حلاله، وحرم حرامه. ولو قال مكان { بعد مواضعه } عن مواضعه لجاز، لأن معناهما متقارب، هذا كما يقول القائل: أتيتك عن فراغي من الشغل، وبعد فراغي منه، ولا يجوز قياساً على ذلك أن تقول بدل قولك: رميت عن القوس، رميت بعد القوس، ولا في قولك: جاء زيد بعد عمرو، أن تقول: عن عمرو، لأن المعنى يختلف.

السابقالتالي
2 3 4