الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

المحارب عندنا هو الذي أشهر السلاح وأخاف السبيل سواء كان في المصر أو خارج المصر، فان اللص المحارب في المصر وغير المصر سواء. وبه قال الاوزاعي ومالك والليث بن سعد وابن لهيعة والشافعي والطبري. وقال قوم: هو قاطع الطريق في غير المصر ذهب اليه أبو حنيفة وأصحابه وهو المروي عن عطاء الخراساني. ومعنى { يحاربون الله } يحاربون أولياء الله ويحاربون رسوله { ويسعون في الأرض فساداً } وهو ما ذكرناه من أشهار السيف واخافة السبيل. وجزاءهم على قدر الاستحقاق إن قتل قتل وان أخذ المال وقتل قتل وصلب وان أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف. وان اخاف السبيل فقط فانما عليه النفي لا غير هذا مذهبنا. وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله (ع) وهو قول ابن عباس وابي مجلز وسعيد بن جبير، والسدي، وقتادة، والربيع وابراهيم - على خلاف عنه - وبه قال أبو علي الجبائي والطبري وحكي عن الشافعي أنه إِن أخذ المال جهراً كان للامام صلبه حياً وان لم يقتل.

{ وأن يقتلوا } في موضع رفع وتقديره إِنما جزاؤهم القتل، والصلب أو القطع من موضع الخلاف، ومعنى (إِنما) ليس جزاؤهم الا هذا قال الزجاج: اذا قال جزاؤك عندي درهم جاز أن يكون معه غيره، فاذا قال انما جزاؤك درهم كان معناه ما جزاؤك إلا درهم.

واختلفوا في سبب نزول هذه الاية فقال ابن عباس والضحاك، نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وسلم) موادعة فنقضوا العهد، وأفسدوا في الارض، فخير الله نبيه في ما ذكر في الآية، وقال الحسن وعكرمة نزلت في أهل الشرك. وقال قتادة، وأنس وسعيد بن جبير والسدي: انها نزلت في العرنيين والعكليين حين ارتدوا وأفسدوا في الارض فأخذهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم وفي بعض الاخبار أحرقهم بالنار.

ثم اختلفوا في نسخ هذا الحكم الذي فعله بالعرنيين، فقال البلخي وغيره نسخ ذلك بنهيه عن المثلة. ومنهم من قال: حكمه ثابت في نظرائهم لم ينسخ. وقال آخرون لم يسمل النبي (صلى الله عليه وسلم) أعينهم وإِنما أراد أن يسمل فأنزل الله آية المحاربة، والذي تقوله: إِن عندنا ان كان فيهم طليعة لهم حتى يقتلوا قوماً سملت عين الربيئة وأجري على الباقين ما ذكرناه. وقال قوم: الامام مخير فيه ذهب اليه ابن عباس في رواية ومجاهد والحسن وسعيد بن المسيب، وعطا وابراهيم في رواية عنه. فمن قال بالاول، ذهب الى أن (أو) في الآية تقتضي التفصيل ومن قال بالثاني ذهب الى انها للتخيير.

ومعنى قوله: { وأرجلهم من خلاف } معناه أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.

السابقالتالي
2