الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

[اللغة]:

بين الله (تعالى) في هذا الآية ما استثناه في قوله: { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } فهذا مما تلاه علينا فقال مخاطباً للمكلفين: { حرمت عليكم الميتة } وأصله الميتة مشدد غير انه خفف، ولو قرئ على الاصل كان جائزاً إلا انه لم يقرأ به احد ها هنا إلا أبا جعفر المدني يقال: ميت بمعنى واحد. وقال بعضهم الميت لما لم يمت والميت لما قد مات وهذا ليس بشيء لان ميت يصلح لما قد مات، ولما سيموت. قال الله (تعالى): { إنك ميت وإنهم ميتون } وقال الشاعر في الجمع بين اللغتين:
ليس من مات فاستراح بميت   انما الميت ميت الاحياء
فجعل الميت مخففاً من الميت وقال بعضهم: الميتة كلما له نفسٌ سائلة من دواب البر، وطيره مما اباح الله اكلها أهليها ووحشيها فارقتها روحها بغير تذكية. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه سمى الجراد والسمك ميتاً فقال: " ميتتان مباحان: الجراد، والسمك ".

وقوله: { والدم } تقديره، وحرم عليكم الدم. وقيل: إنهم كانوا يجعلون في المباعر يشوونها وياكلونها، فاعلم الله تعالى ان الدم المسفوح أي المصبوب حرام، فاما المتلطخ باللحم، فهو كاللحم، وما كان منه كاللحم مثل الكبد فهو مباح. وأما الطحال، فهو محرم عندنا. وقد روي كراهته عن " علي عليه السلام، وابن مسعود واصحابهما " وعند جميع الفقهاء أنه مباح. وانما شرطنا في الدم المحرم ما كان مسفوحا، لانه (تعالى) بين ذلك في آية اخرى فقال: { أو دماً مسفوحاً }.

وقوله: { ولحم الخنزير } معناه وحرم عليكم لحم الخنزير اهليه وبريه، فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج العموم. والمراد بهما الخصوص. ولحم الخنزير على ظاهره في العموم. وكذلك كل ما كان من الخنزير حرام كلحمه من الشحم والجلد، وغير ذلك وقوله: { وما أهل لغير الله به } موضع ما رفع وتقديره وحرم عليكم ما اُهلّ لغير الله به. ومعنى اُهلّ لغير الله به ما ذبح للاصنام والأوثان أي ذكر اسم غير الله عليه، لان الاهلال رفع الصوت بالشيء. ومنه استهلال الصبي وهو صياحه إذا سقط من بطن امه. ومنه إهلال المحرم بالحج أو العمرة: إذا لبّى به. قال ابن احمر:
يهل بالفرقد ركباننا   كما يهل الراكب المعتمر
فما تقرب به من الذبح لغير الله او ذكر عليه غير اسمه حرام، وكل ما حرم اكله مما عددناه يحرم بيعه وملكه، والتصرف فيه.

والخنزير يقع على الذكر والانثى. وفي الاية دلالة على ان ذبائح من خالف الاسلام، لا يجوز اكله، لانهم يذكرون عليه اسم غير الله لانهم يعنون بذلك من ابد شرع موسى، أو اتخذ عيسى ابناً، وكذب محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك غير الله، فيجب أن لا يجوز أكل ذبيحته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7