الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }

وجه إِتصال هذه الآية بما قبلها أن الله تعالى أراد أن يبين أن حال اليهود في الظلم ونقض العهد وارتكاب الفواحش من الامور كحال ابن آدم قابيل في قتله أخاه هابيل، وما عاد عليه من الوبال بتعديه. فأمر نبيه أن يتلو عليهم اخبارهما وفيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وسلم) لما ناله من جهلهم بالتكذيب في جحوده وتبكيت اليهود.

وقوله: { إِذ قرباً قرباناً } متعلق بنبأ، وتقديره: اقرأ عليهم خبر ابني آدم وما جرى منهما إِذ قربا قرباناً. والقربان يقصد به القرب من رحمة الله من أعمال البر وهو على وزن فعلان من القرب، كالفرقان من الفرق، والعدوان من العدو، والشكران من الشكر، والكفران من الكفر.

قال ابن عباس وعبد الله بن عمر، ومجاهد، وقتادة، وأكثر المفسرين: إِن المتقربين كانا ولدي آدم لصلبه: قابيل، وهابيل. وقال الحسن، وأبو مسلم محمد بن بحر، والزجاج: هما من بني اسرائيل، لأن علامة تقبل القربان لم تكن قبل ذلك. وكان سبب قبول قربان أحدهما. ورد الآخر أحد أمرين:

أحدهما - أنه رد قربان أحدهما لأنه كان فاجراً فاسقاً. وقبل قربان هابيل لانه كان متقياً مطيعاً، ولذلك قال الله { إِنما يتقبل الله من المتقين }.

الثاني - انه قرَّب بشر ماله وأخسه. وقرب الآخر بخير ماله، وأشرفه. فتقبل الأشرف، ورد الاخس.

وقال قوم ان سبب القربان أنه لم يكن هناك فقير فمن أراد القربان أخرج من ماله ما أحب، ففعلا ذلك، فأكلت النار قربان أحدهما دون الآخر، ولم يكن ذلك عن أمر الله. وقال أكثر المفسرين ورواه أبو جعفر وغيره من المفسرين: أنه ولد لكل واحد من قابيل وهابيل اخت توأم له فأمر آدم كل واحد بتزويج اخت الآخر. وكانت اخت قابيل أحسن من الاخرى، فارادها، وحسد أخاه عليها، فقال آدم قربا قرباناً، فأيكما قبل قربانه فهي له، وكان قابيل صاحب زرع فعمد الى اخبث طعام. وعمد هابيل الى شاة سمينة ولبن وزبد، فصعدا به الجبل فأتت النار فأكلت قربان هابيل، ولم تعرض لقربان قابيل. وكان آدم غائباً عنهما بمكة، فقال قابيل لا عشت يا هابيل في الدنيا، وقد تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني. وتريد أن تأخذ اختي الحسناء. وآخذ اختك القبيحة، فقال له هابيل: ما حكاه الله تعالى، فشدخه بحجر فقتله، ثم حمله على عاتقه وكان يضعه على الارض ساعة ويبكي ويعود يحمله كذلك ثلاثة أيام إِلى أن رأى الغرابين.

وقوله: { لأقتلنك } معناه قال الذي لم يتقبل قربانه: و { قال إِنما يتقبل الله } يعني الذي تقبل قربانه، وإِنما حذف لدلالة الكلام عليه.

وقيل في علامة القبول قولان:

قال مجاهد كانت النار تأكل المردود.

السابقالتالي
2 3